إنك رؤوف رحيم، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، واغفر لنا وارحمنا، وأنت خير الراحمين، أعوذ بعفوك من عقابك، وبرضاك من سخطك، ولا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ".
واستدل أصحابنا بهذا الحديث أن المستحب للقانت في الوتر أن يقنت بهذا الدعاء، وأما استدلال المصنف بقوله اجعل هذا في وترك من غير فصل فليس له وجود في هذا الحديث، فعجبي كل العجب أن أحدا من الشراح لم يتعرض لهذا، بل كلهم سكتوا خصوصا الأترازي حيث يقول: لنا «قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحسن حين علمه دعاء القنوت: " اجعل هذا في وترك» فدل على القنوت من جميع السنة؛ لأنه لم يقيد بوقت دون وقت، وكذلك الأكمل قال نحوه.
١ -
وقال صاحب " الدراية ": ولنا حديث تعليم الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - المذكور في المتن وليس كل منهما شفى العليل ولا روى الغليل؛ لأن الحديث غاية ما في الباب يدل على أن مما يدعى به في الوتر ما علمه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - للحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا يدل ذلك على استحباب قراءته في جميع السنة ولا يرضى به الخصم أن يكون هو حجة لنا عليه، واستدل لنا ابن الجوزي في " التحقيق " بحديث أخرجه الأربعة عن علي ابن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يقول في آخر وتره:" اللهم أني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.» قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: وجه الاستدلال به إن كان يقتضي الدوام فيدل على أنه كان يقنت به في جميع السنة، ومن ادعى غير ذلك فعليه البيان، وروي عن علي وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما كانا يقنتان في جميع السنة، ولأن القنوت من سنن الوتر فلا يختص ببعض الأزمان كسائر السنن.
فإن قلت: أخرج أبو داود عن الحسن أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة من الشهر يعني رمضان ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني، فإذا كان العشر الأواخر تخلف وصلى في بيته، وأخرجه أيضا عن هشام عن محمد بن سيرين عن بعض أصحابه أن أبي بن كعب أمهم يعني في رمضان فكان يقنت في النصف الأخير من رمضان. وأخرج ابن عدي في " الكامل " عن أبي عاتكة طريف بن سليمان عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:«كان رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يقنت في النصف من رمضان» .