للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

والجواب: أن هذا حجة لنا، لأنا نقول: سجدها داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توبة ونحن نسجدها شكرًا لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى وحسن المآب، ولهذا لا نسجد عندنا.

قوله: وأناب بل عقيب قوله مآب، وهذا نعمة عظيمة في حقنا، فكانت سجدة تلاوة، لأن سجدة التلاوة ما كان سبب وجوبها إلا التلاوة، وسبب وجوب هذه السجدة تلاوة هذه الآية التي فيها الإخبار عن هذه النعم على داود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإطماعنا في نيل مثله، وكذا سجدة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجمعة الأولى وترك الخطبة لأجلها تدل على أنها سجدة تلاوة، وأما تركه في الجمعة الثانية حين القراءة فلا يدل على أنها ليست بسجدة التلاوة، بل كان يريد التأخير وهي لا تجب على الفور عندنا، على أنه سجدها أيضًا وسجد الناس معه لما تشزنونه.

وقوله تشزن الناس معناه هبوا للسجود وتهيؤوا له، ومادته شين وزاي معجمتان ونون.

واحتج: من لم ير السجود في المفصل وهو من سورة محمد إلى آخر القرآن منهم مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - بحديث رواه أبو داود «عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة» ولما رواه أبو داود أيضًا من حديث «زيد بن ثابت قال: قرأت على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النجم فلم يسجد فيها» وبما رواه ابن ماجه في "سننه " عن «أبي الدرداء قال: سجدت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحدى عشرة سجدة ليس فيها شيء من المفصل» الحديث.

والجواب: عنها أما حديث ابن عباس فإسناده ليس بالقوي قال عبد الحق: ويروى مرسلا والصحيح حديث أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: ١] وإسلامه متأخر قدم على النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في السنة السابعة من الهجرة» وقال ابن عبد البر: هذا حديث منكر، وفي إسناده أبو قدامة الحارث بن عبيد الإيادي ليس بشيء، وضعفه ابن معين، وفيه أيضًا مطر الوراق كان سيئ الحفظ، وقد عيب على مسلم إخراج حديثه.

وأما حديث زيد بن ثابت، فالجواب عنه: أنه محمول على بيان جواز ترك السجود عند من يقول: إنه سنة وليس بواجب، وأما الذين يقولون بوجوبه، فأجابوا عنه بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يسجد على الفور ولا يلزم منه أنه ليس فيه سجدة ولا فيه نفي الوجوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>