حديث مشهور «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الظهر بأهل مكة عام حجة الوداع ركعتين، ثم أمر مناديا ينادي بأهل مكة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر» .
ولو كن فرض المسافر أربعا لم يخير منهم فضيلة الجماعة معه. وأما اعتبارنا بالصوم فسيأتي جوابه عن قريب إن شاء الله تعالى.
وأما قوله: ولأنه لو اقتدى بالمقيم.... إلخ، فينقض بظهر المقيم، فإن فرضه بدون المقيم أربع، وسبب القوم وهو الجماعة يصير ركعتين وهو الجمعة، كذا ذكره شيخ الإسلام.
فإن قلت: في " صحيح البخاري ": صلى عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بمنى أربع ركعات.
قلت: لما «قيل ذلك لعبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فاسترجع ثم قال صليت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» قال أبو بكر الرازي: اعتمد عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إتمامه بأنه من أهل مكة، وعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه إنما أتم؛ لأنه نوى الإقامة بمكة بعد الحج.
وقيل: فعل ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا معه لئلا يظنوا أن فرض الصلاة ركعتين ابتداء حضرا وسفرا، وقيل: لأنه كان إمام المؤمنين فكأنه في منزله.
قلت: في كل ذلك نظر.
أما الأول: فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سافر بأزواجه وقصروا.
وأما الثاني: فلأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث.
وأما الثالث: فإن هذا المعنى كان موجودا في زمان النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بل انتهى أمر الصلاة في زمان عثمان أكثر مما كان.
وأما الرابع: فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أولى بذلك من عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكذلك أبو بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وأحسن ما يقال في ذلك أنه رأى القصر جائزا والإتمام جائزا، فأخذ بأحد الجائزين، وكذلك يقال فيما فعلت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من الإتمام.