التروية، وكان يقصر الصلاة، وقد أقام أكثر من ثلاثة أيام» .
فإن قلت: الحديث محمول على ما إذا لم ينو الإقامة، وبدون النية لا يصير مقيما بأربعة أيام عنده.
قلت: لا يصح هذا لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة للحج، ولا بد أنه ينوي الإقامة حتى يقضي حجه، وقضى حجه فيما ذكرنا كان أكثر من أربعة أيام، وقع ذلك كأن يقصر، وأما الحديث فإنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما قدر هذا لأنه علم أن حوائجهم كانت ترفع في هذه المدة لا لتقدير أدنى مدة الإقامة. وما روي عن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - معارض بما روي عنه أنها تقدر بخمسة عشر يوما، فدل على رجوعه. وأما دعوى الاحتياط فإنه يشكل بما لو نوى الإقامة ثلاثة أيام أو أقل لا يصير مقيما، وإن كان الاحتياط فيه، وقال الطحاوي: ما قال الشافعي خلاف الإجماع؛ لأنه لم ينقل عن أحد قبله بأنه يصير مقيما بنية الإقامة أربعة أيام.
فإن قلت: روي عن ابن المسيب أنه قال: من أجمع على أربع وساعة أتم صلاته.
قلت: يعارضه ما روي عن هشيم عن داود بن أبي هند عن ابن المسيب أنه قال: إذا أقام المسافر خمسة عشر أتم الصلاة، وما كان دون ذلك فليقصر، ومع هذا لا يجوز أن يعارض قول ابن عباس، وابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وعن يحيى بن أبي إسحاق الرأي فيه، فالظاهر أن الصحابي رواه عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخبر موجب فكان الأثر كذلك.
فإن قلت: كيف مع أنه قال فيه معنى معقول أصله بالأثر، لا أن يثبت أصلها بدليل المعقول، فكان هذا من قبيل ترجيح أحد الأمرين بالقياس، ثم اعلم أنا قلنا إنما يصير مقيما بنية الإقامة إذا سار ثلاثة أيام، فأما إذا لم يسر ثلاثة أيام فعزم على الرجوع ونوى الإقامة يصير مقيما، وإن كان في المفازة كذا ذكر فخر الإسلام، وفي " المجتبى ": لا يبطل السفر إلا بنية الإقامة، أو دخول الوطن أو الرجوع إليه قبل الثلاثة، وبه قال الشافعي في الظهر، ونية الإقامة إنما تؤثر بخمس شرائط.
أحدها: ترك الإقامة أو تحريره لم تصح، واتحاد الوضع، والمدة، والاستقلال بالرأي حتى لو نوى من كان تبعا لغيره لا يعتبر كالحربي، والزوجة، والرقيق، والأجير، والتلميذ مع أستاذه، والغريم المفلس مع صاحب الدين إلا إذا نوى متبوعه، ولو نوى المتبوع الإقامة، ولم يعلم بها التابع فهو مسافر حتى يعلم كالوكيل، إذا عزل وهو الأصح، وعن بعض أصحابنا يصيرون مقيمين، ويعيدون ما أدوا في مدة عدم العلم.