أي بكون الخطبة قبل الصلاة وردت السنة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يمكن أخذ هذا في حديثين، أحدهما حديث السائب بن زيد، رواه البخاري عنه قال:«كان الأذان على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يوم الجمعة حين يجلس الإمام، فلما كان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكثر الناس أمر بالأذان الثاني على الزوراء،» ووجهه أن الأذان لا يكون إلا قبل الصلاة، فإذا كان حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة دل على أن الصلاة بعد الخطبة.
والآخر «حديث أبي موسى الأشعري أخرجه مسلم عنه قال لي ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شأن ساعة الجمعة، قال: قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الصلاة» ، قال أبو بردة: يعني على المنبر.
م:(ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة) ش: مقدار ثلاث في ظاهر الرواية، وقال الطحاوي مقدار ما سمي موضع جلوسه على المنبر. م:(وبه جرى التوارث) ش: أي بالفصل بين الخطبتين بقعدة جرى التوارث، يعني هكذا فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والأئمة من بعده إلى يومنا هذا، ولفظ التوارث إنما يستعمل في أمر له خطر وشرف، يقال توارث المجد كابرا عن كابر، أي كبيرا عن كبير في القدر والشرف، وقيل: هي حكاية العدل عن العدل، فإن القيام فيها، والفصل بين الخطبتين بقعدة متوارث.
وقال ابن المنذر: اختلفوا فيه، «وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ما جلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر حتى مات، وما كان يخطب إلا قائما» وأول من جلس عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في آخر عمر زمانه حين كبر، فكان يجلس هنيهة ثم يقوم، وكان المغيرة بن شعبة إذا فرغ المؤذن قام فخطب ولا يجلس حتى ينزل.
قال: والذي عليه عمل الناس ما تفعله الأئمة اليوم، ثم هذه القعدة عندنا للاستراحة وليست بشرط، وقال الشافعي: إنها شرط. وقال شمس الأئمة السرخسي: الدليل على أنها للاستراحة لا للشرط حديث جابر بن سمرة «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يخطب قائما خطبة واحدة، فلما أسن جعلها خطبتين بينهما جلسة» ففي هذا دليل على أنها للاستراحة لا للشرط.
قلت: هذا الحديث غريب، وهو عن ابن عباس برواية الحسن بن عمارة، وقال ابن العربي: وهو ضعيف.
ثم الخطبة الواحدة تجوز عندنا وهو مذهب عطاء ومالك والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور. وقال ابن المنذر: أرجو أن تجزئه خطبة واحدة، وقال أحمد: لا تكون الخطبة إلا كما خطب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.