وله قَوْله تَعَالَى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: ٩](الجمعة: الآية ٩) ، من غير فصل.
ــ
[البناية]
النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لبيان السنة، ولا نسلم أن الجواز معلق بالخطبة، بل الجواز معلق بذكر الله، وقد حصل، ولئن سلمنا لكن لا نسلم أن القدر القليل لا يسمى خطبة، وكيف لا يسمى خطبة والخطبة موجودة في ذلك القدر؟
قلت: قوله: "لا نسلم أن الجواز معلق بالخطبة" فيه نظر، وكيف لا يعلق بالخطبة؟ والمراد من ذكر الله في قوله:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: ٩](الجمعة: الآية٩) ، هو الخطبة، فإذا كان المراد بالذكر الخطبة ما هو مضاد الخطأ، ولم يجز لهم عادوا بالقدر القليل، وقوله وحقيقة الخطبة موجودة في ذلك القدر غير مسلم، لأن المراد هو الخطبة الشرعية التي جرى عليها التوارث، وليس المراد الحقيقة اللغوية.
ثم سأل الأترازي بقوله:
فإن قلت: ذكر رأيت يقدم على الصلاة فوجب أن لا يقصر على الكلمة الواحدة كالأذان؟
قلت: لا نسلم أن القياس صحيح، لأن المقصود من الأذان الإعلام وهو لا يحصل بكلمة واحدة، بخلاف الخطبة، فإن المقصود منها ذكر الله وهو يحصل بكل ما يسمى ذكر الله.
قلت: وفيها أيضا إعلام بأن هذا يوم فيه قامت الخطبة مقام الركعتين، على ما روي عن عمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنهما قالا: إنما قصرت الصلاة لمكان الخطبة، ومعلوم أن قصر الصلاة لا يكون بما يسمى ذكر الله.
م:(من غير فصل) ش: يعني بين قليل الذكر وكثيره، والمراد بذكر الله الخطبة باتفاق المفسرين وقد أمر الله تعالى بالسعي إلى ذكره مطلقا، من غير قيد بذكر طويل ولا بخطبتين، فاشتراطه زيادة على النص بالفعل المنقول بخبر الواحد، فيحمل ذلك على السنة وكمال الذكر، وأصل الذكر حاصل بقولنا الحمد لله وسبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ونحو ذلك، فما زاد على ذلك فهو شرط الكمال.
ثم قوله:"الحمد لله أو سبحان الله" كلام وخبر وتحته معان جليلة جمة، فالمتكلم بهذا اللفظ الوجيز كالذاكر لتلك المعاني الكثيرة بلفظ وجيز، فتكون خطبة وجيزة قصيرة، وقصر الخطبة مندوب إليه، وروي «طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل» .