قلت: لم يتعرض القدوري في "مختصره" إلى الوجوب ولا إلى السنة، وإنما قال ويصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى تكبيرة الافتتاح وليس ذكر لفظ " الجامع الصغير " إلا لما ذكرنا، ثم المراد من اجتماع العيدين هاهنا اتفاق كون يوم الفطر أو يوم الأضحى في يوم الجمعة، وتغلب لفظ العيد على لفظ الجمعة، إما لعلة الحروف كما في العمرين، أو التغليب المذكور كما في القمرين، أو لأن يوم الجمعة عيد المؤمنين باعتبار ما لهم من وعد المغفرة والكفارة.
قوله: م: (ولا يترك بواحد منهما) ش: أي من العيد والجمعة، أما الجمعة فلأنها فريضة، وأما العيد فلأن تركها بدعة وضلال، وقال فخر الإسلام: ومن الناس من قال: بأنه إذا شهد الأولى منهما لم يلزمه شهود الأخرى؛ لما روي أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال في يوم عيد وجمعة «إنكم يا أهل العوالي شهدتم معي العيد وإنما مجمعون فمن شاء فليرجع»
وفي " المحلى " و" الأشراف ": صلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - العيد ثم خطب فقال: إنه قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظر، ومن أحب أن يرجع إلى أهله فليرجع فقد أذنت له.
قوله- وإنما مجمعون - دليل على أن تركها لا يجوز، وإنما أطلق لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخيرهم عثمان، لأنهم كانوا أهل أبعد قرى المدينة، وإذا رجع أهل القرى قبل صلاة الجمعة لا بأس به.
فإن قلت: كيف قال محمد ولا يترك واحد منها، ومعلوم أن صلاة الجمعة فرض عين، وفرائض الأعيان لا تترك.
قلت: احترز به عن قول بعض العلماء فإنه روي عن عطاء أنه يجزئ لصلاة العيد عن الجمعة ومثله عن علي وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وعنه يجزئ أحدهما عن الأخرى.
وقال ابن عبد البر: سقوط الجمعة والظهر بصلاة العيد متروك مهجور، ولا يقول عليه وتأويل ذلك في حق أهل البادية ومن لا يجب عليه الجمعة، ويستحب تأخير صلاة العيد في الفطر، وتعجيلها في النحر لتعجيل الأضاحي وخروج الوقت في أثنائها يفسدها كالجمعة.
وفي " قنية المنية " يقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة وصلاة الجنازة على الخطبة، ولو أفسدها قضاها ركعتين عندهما، وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا قضاء عليه، وفي " منية المفتي ": لا قضاء عليه ولم يجد خلافا، وقال أبو حفص الكبير: يقضي ركعتين لا يكبر فيهما