لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شغل عن أربع صلوات يوم الخندق، ولو جاز الأداء مع القتال لما تركها
ــ
[البناية]
ومالك: ولا تبطل لظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}[النساء: ١٠٢][١٠٢ النساء] ، والأمر بأخذ السلاح لا يكون إلا للقتال، ولهذا يجب أخذ السلاح في صلاة الخوف عند الشافعي في قول إن كان في وضعه خطر، وإن كان الظاهر السلامة يستحب، وبه قال أحمد وداود.
واحتج المصنف لأصحابنا بقوله م:(لأنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شغل عن أربع صلوات يوم الأحزاب ولو جاز الأداء مع القتال لما تركها) ش: أي لما ترك أربع صلوات مع القتال، وفيه نظر، لأن صلاة الخوف ما شرعت بعد يوم الأحزاب.
فإن قلت: روي عن ابن إسحاق والواقدي أن غزوة ذات الرقاع كانت قبل غزوة الخندق، وقد صلى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع، وقال الأترازي: فثبت أن صلاة الخوف كانت شرعت قبل الخندق، فلما ترك رسول الله عليه الصلاة السلام يوم الخندق لأجل القتال، دل أن القتال يمنع الصلاة.
قلت: قال البيهقي: لا حجة لهم، لأن صلاة الخوف إنما شرعت بعد الخندق، وقد جاء التصريح في طريق الحديث، بأن صلاة يوم الأحزاب كانت قبل نزول صلاة الخوف، رواه النسائي في سننه وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما، والبيهقي في سننه والشافعي وأبو يعلى والدارمي في مسانيدهم كلهم عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري «عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: جئنا يوم الخندق، فذكره إلى أن قال: وذلك قبل أن ينزل {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}[البقرة: ٢٣٩][البقرة: ٢٣٩] » .
١ -
وقال القاضي عياض في " الشفاء ": والصحيح أن حديث الخندق كان قبل نزول الآية فهي ناسخة، ويمكن أن يعتذر عن المصنف في احتجاجه بالحديث المذكور بأنه اعتد ما روي عن الواقدي، لأن هذا مختلف فيه، فعن هذا قال النووي: قيل إنها أي أن صلاة الخوف شرعت في غزوة ذات الرقاع، وهي سنة خمس من الهجرة. وقيل: إنها شرعت في غزوة بني النضير، والحديث المذكور تقدم في باب قضاء الفوائت ويوم الأحزاب هو يوم حفر الخندق في المدينة، والأحزاب هم الذين ذكرهم الله في قوله:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}[الأحزاب: ١٠][الأحزاب: الآية١٠] وذلك أن أهل مكة جمعوا الأعراب وأتوا المدينة من فوق الوادي من قبل المشرق بنو غطفان، ومن أسفل الوادي من قبل المغرب قريش فتحزبوا وقالوا: سنكون جملة واحدة حتى نناضل محمدا، فأرسل الله عليهم ريح الصبا في ليلة شاتية فسفت التراب في وجوههم وقلعت الملائكة الأوتاد وقطعت الأطناب، وأطفئت النيران وأكفئت القدور، وماجت الخيل بعضها في بعض، وقذف في قلوبهم الرعب، وكبرت الملائكة في جوانب عدتهم فانهزموا من غير قتال.