الأول: أن أبا داود روى هذا الحديث وسكت عنه، فهذا دليل رضاه به، وأنه صحيح عنده.
الثاني: أن يحيى بن معين الذي هو فيصل في هذا الباب، قال: صالح ثقة، إلا انه اختلط قبل موته، فمن سمع منه قبل ذلك فهو ثبت حجة، ومن سمع منه قبل الاختلاط ابن أبي ذئب، وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث وأسكت ابن أبي ذئب.
الثالث: قال ابن عبد البر: منهم من يقبل عن صالح ما رواه عنه ابن أبي ذئب خاصة.
الرابع: أن غالب ما ذكر منه تحامل، من ذلك قول النووي أن الذي في النسخ المشهورة والمسموعة من سنن أبي داود «فلا شيء عليه» فإنه يرده قول الخطيب المحفوظ فلا شيء له، وقول السروجي وفي " الأسرار " فلا صلاة له، وفي " المرغيناني " فلا وجه له، ولم يذكر ذلك في كتب الحديث، يرده ما ذكرناه من رواية ابن أبي شيبة في مصنفه «فلا صلاة له» وقال الخطيب: وروي «فلا أجر له» فلعدم اطلاعه في هذا الموضع جازف فيه. ومن تحاملهم جعل اللام بمعنى على بالتحكم من غير دليل ولا داع إلى ذلك. ولا سيما أن المجاز عندهم ضروري لا يصار إليه إلا عند الضرورة، ولا ضرورة ها هنا، وأقوى ما يرد كلامه هذا رواية ابن أبي شيبة، وهي «فلا صلاة له» فلا يمكن له أن يقول ها هنا اللام بمعنى على لفساد المعنى.
الخامس: أن قول ابن حبان هذا باطل جرأة منه على تعطيل الصواب، فكيف هذا القول، وقد رواه أبو داود وسكت، فأقل الأمر أنه يدل على حسنه عنده، وأنه رضي به، وحاشى منه أن يرضى بالباطل.
السادس: ما قاله الجهبذ النقاد الإمام أبو جعفر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ملخصا، وهوأن الروايات لما اختلفت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديث يحتاج إلى إلى الكشف ليعلم المتأخر منها فيجعل ناسخا لما تقدم، فحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إخبار عن فعل رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الذي تقدم على الإباحة، فصار ناسخا لحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وإنكار الصحابة عليها مما يؤيد ذلك.
فإن قلت: من أي قبيل يكون هذا النسخ؟ قلت: من قبيل النسخ بدلالة التاريخ، وهو أن يكون أحد النصين موجبا للخطر، والآخر موجبا للإباحة، والحظر طارئ عليها، فيكون متأخرا.