. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
فإن قلت: الشهداء أحياء عند الله، والصلاة إنما شرعت على الموتى.
قلت: هم أحياء في حكم الآخرة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩] (آل عمران: ١٦٩) ، لا في أحكام الدنيا والصلاة عليهم من أحكام الدنيا كسائر الموتى، ولهذا يقسم ميراثهم بين ورثتهم ويتزوج نساؤهم وتحل ديونهم المؤجلة ويعتق أمهات الأولاد ومدبروهم وينفذ وصاياهم، ثم هم يدفنون، فدل ذلك كله أن الحياة لهم عند الله بعد الموت.
فإذا قلت: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لعل ترك الصلاة لاستغنائهم مع التخفيف على من بقي من المسلمين.
قلت: هذا التعليل لا يقبل؛ لأن الصلاة على الميت دعاء له، ولا يستغني أحد عن الدعاء كما ذكرناه، وكذلك التعليل بالتخفيف، فإنهم يتممون إلقاءهم ويحضرون قبروهم ويكلفون دفنهم.
فإن قلت: الصلاة على الميت من باب الشفاعة، والشهداء يشفعون للناس ولا يحتاجون إلى من يشفع لهم.
قلت: الصلاة عليهم زيادة كرامة لهم، وقضاء لحق الميت، وقد أشار المصنف إلى هذا المعنى بقوله: والصلاة على الميت لإظهار كرامته، وقد استوفينا الكلام هناك، وقد ظهر من هذا أن ما ذهبنا إليه أرجح من وجوه عديدة؛ الأول: أن الخبر المثبت في هذا أولى من النافي.
الثاني: أن أحاديثنا أكثر فكانت أولى، قال محمد في " السير الكبير ": أخذنا بما أجمع عليه أهل العراق دون ما انفرد به أهل المدينة، فرجح بالكثرة.
فإن قلت: هذا خلاف ظاهر مذهبكم، فإن الترجيح بالكثرة لا يعتبر عندكم.
قلت: قد ذكر بعض مشايخنا الترجيح بكثرة الرواة؛ إذ الظن بصدق خبر الاثنين أقوى منه بخبر الواحد.
الثالث: أن الصلاة على الموتى أصل في الدنيا وفرض من فروض الكفاية على المسلمين، فلا يسقط من غير فصل أحد.
الرابع: لو كانت الصلاة عليهم غير مشروعة، كما في عموم تنبيهه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عدم مشروعيتها، وعلة سقوطها كما نبه على علة سقوط غسلهم.
الخامس: يجوز أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لم يصل عليهم، وصلى عليهم غيره لما كان به من الجراحات، وكسور رباعيته وما أصابه يومئذ من المشركين.