للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

وروى الطحاوي عن ابن عباس وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شهداء أحد مع حمزة، وكان يؤتى بتسعة لتسعة، وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم، وكبر يومئذ سبع تكبيرات» . قال: وقد صلى على غيرهم، كما روى بشير بن الهاد «أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى أعرابيا أسلم نصيبه، وقال: قسمته لك، فقال: ما على هذا اتبعتك، ولكن ابتعتك على أن أرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت فأدخل الجنة، ثم أتي بالرجل قد أصابه سهم حيث أشار فكفن في جبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصلى عليه، فكان من صلاته أن هذا عبد خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا، أنا أشهد عليه فلم يغسله وصلى عليه» ورواه النسائي أيضا.

وأخرج الطحاوي هذا الحديث لمعنيين أحدهما: لأنه شاهد لما ذكره من الدلائل في إثبات الصلاة على الشهيد. والثاني: ردا على من زعم أنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه صلى على أحد ممن قتل في المعركة في غير غزوة أحد.

فإن قلت: لم لا يجوز أن تحمل الصلاة في الأحاديث التي ورد فيها الصلاة على الدعاء؟ وممن قال ذلك ابن حبان والبيهقي.

قلت: يدفع هذا قوله في الحديث الذي رواه عقبة بن عامر المذكور صلاته على الميت.

فإن قلت: أنتم لا ترون الصلاة على القبر بعد ثلاثة أيام، فكيف يحملون عليه على معنى الصلاة العرفية، وقد كانت واقعة أحد في سنة ثلاث من الهجرة، وصلاته - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على شهداء أحد حين خروجه من الدنيا بعد وقعة أحد في سبع سنين.

قلت: المذهب عندنا الصلاة على القبر يجوز ما لم يتفسخ، والشهداء لا يلحقهم تفسخ، أحياء عند الله؛ فإذا لا يجوز حمل الصلاة عليهم على معنى الدعاء، وكيف يجوز هذا وقد أكد قوله صلاته على الميت لنفي احتمال المحال.

فإن قلت: قال ابن قدامة: حديث عقبة مخصوص بشهداء أحد، فإنه صلى عليهم في القبور وهم لا يرون الصلاة على القبر أصلا، ونحن فيما بعد الشهر.

قلت: إذا ثبت أنه صلى على شهداء أحد صحت الصلاة عليهم بعدم القائل بالفرق، وقوله: "وهم لا يرون الصلاة على القبر" غير صحيح، فإذا دفن الميت ولم يصل عليه صلى على قبره ما لم يتغير كما ذكرناه.

فإن قلت: الصلاة على الميت لا تصح بلا غسل فما لم يغسل الشهيد لا تصح الصلاة عليه.

قلت: وكذا لا يدفن بلا غسل، فلما دفن الشهيد بلا غسل دل على أنه في حكم المغسولين، فكانت الصلاة عليه صلاة على المغسول حكما، وهو مغسول بصب رحمة الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>