ولا تصرف إلى أغنياء الغزاة عندنا، لأن المصرف هو الفقراء
ــ
[البناية]
للحرب لا للحج، فعلم بذلك أن المراد الجهاد لا الحج.
قلت: فيه نظر أيضا لا يخفى.
فإن قلت: قوله: في سبيل الله مكرر سواء كان منقطع الغزاة أو منقطع الحاج، لأنه إما أن يكون له مال في وطنه أو لا، فإن كان فهو ابن السبيل، وإن لم يكن فهو الفقير، فمن أين يكون العدد سبعة؟
قلت: هو فقير إلا أنه زاد فيه شيئا آخر سوى الفقر، وهو الانقطاع في عبادة الله من الجهاد، أو الحج، فلذلك يغاير الفقير المطلق بذلك، فإن المقيد يغاير المطلق، لا محالة.
م:(ولا تصرف إلى أغنياء الغزاة عندنا) ش: أي ولا تصرف الزكاة إلى أغنياء الغزاة عندنا م: (لأن المصرف هو الفقراء) ش: أي لأن مصرف الزكاة هو الفقراء، وأشار بقوله -عندنا- إلى خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإن عنده يجوز أن تدفع إلى الغازي مع الغناء، وبه قال مالك.
قال الكاكي: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تحل الصدقة إلا لخمسة» ، وذكر من جملتها الغزاة في سبيل الله، ثم قال وذكر في " التجنيس " الغازي في سبيل الله والعامل عليها ورجل اشترى الصدقة بماله، ورجلا تصدق بها على المسكين فأهداها المسكين إليه، وفي رواية " المصابيح " ابن السبيل، انتهى.
قلت: هذا عجز حيث أحال بيان الخمسة على " التجنيس "، والحديث رواه أبو داود مرسلا ومسندا، فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة، لغاز في سبيل الله أو العامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني» ، هذا مرسل، وقال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمعناه وهذا مسند.
وأجاب الأترازي: عن هذا بقوله: معناه الغني بكسبه، أي المستغني بكسبه عن السؤال، لأنه أي المستغني بالكسب لا يحل له طلب الصدقة، إلا إذا كان غازيا فيحل له لاشتغاله بالجهاد عن الكسب، وقال الكاكي: المراد بالغنى قوة البدن، والقدرة على الكسب إنما تكون بقدرة البدن لا بملك المال، فإن الغازي إذا اشتغل بالكسب يقعده عن الجهاد، فجاز له الأخذ، والدليل عليه ما روي في حديث آخر، وردها في فقرائهم، كذا في " المبسوط "، وقال: وفيه نوع تأمل، لأن القدر على الكسب غير مالك النصاب يحل له أخذ الزكاة عندنا، خلافا لمالك