ولأنها بدون المحرم يخاف عليها الفتنة، وتزداد بانضمام غيرها إليها
ــ
[البناية]
وروى الطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:«لا يحل لامرأة أن تحج إلا مع زوجها أو محرم» ، وأخرج البخاري ومسلم عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لا تسافر امرأة ثلاثاً إلا ومعها زوج أو ذو محرم» وأخرجا عن أبي هريرة مرفوعا: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله، واليوم الآخر أن تسافر يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها» وفي لفظ لمسلم: " ثلاثاً "، وفي لفظ له:" فوق ثلاث "، وفي لفظ له:" ثلاثة أيام فصاعداً "، وأخرجا عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعاً:«لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» ولم يوقت فيه شيئاً.
وقال المنذري: ليس في هذه الروايات تباين، ولا اختلاف، فإنه يحتمل أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالها في مواطن مختلفة بحسب الأسئلة، ويحتمل أن يكون ذلك كله تمثيلاً لأقل الأعداد، واليوم الواحد أول العدد، وأقله الاثنان أول الكثير، والثلاث أول الجمع، وكأنه أشار أن مثل هذا في كل الزمن لا يحل لها السفر فيه مع غير محرم، فكيف بما زاد؟ وقد أورد الأترازي بحديث أبي هريرة المذكور سؤالاً وهو: أنه يدل على أن خروجها إلى السفر بغير محرم لا يجوز، ثم أجاب بما تلخيصه بأن الأحاديث إن كانت مؤخرة التزمه نسخ ما دون الثلاث، وإن كانت مقدمة يبقى العمل أيضاً إلى آخر ما ذكر.
قلت: دعوى النسخ لا تصح لعدم العلم بالتاريخ، والجواب ما ذكرناه.
م:(ولأنها بدون المحرم يخاف عليها الفتنة، وتزداد بانضمام غيرها إليها) ش: فإن المبتوتة إذا اعتدت في بيت الزوج بحيلولة جاز لم يكن انضمامها إليها فتنة، أجيب بأن انضمام المرأة إليها يعينها على ما يراد بمباشرتها وتعليمها ما عسى تعجز عنه بفكرها، وإنما لم يكن في المعتدة كذلك؛ لأن الإقامة موضع أمن، وقدرة على دفع الفتنة.
وقال الأكمل: وفيه نظر؛ لأن مثلها لا يعد ثقة، والكلام فيها؛ ولأن جواب المسند يناقض جواب المنع، والأولى أن يقال: من ناقصات دين وعقل لا يؤمن أن تنخدع فيكون عليها في الإفساد، ويتوسط في التطمين، والتمكين فتعجز عن دفعها في السفر، وهذا المعنى معدوم في الحضر لإمكان الاستعانة.
وأورد الكاكي إشكالاً في قوله: يخاف عليها أي الفتنة، وهو أنه يشكل على هذا سفر المهاجرة؛ لأن لها الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام بغير محرم، مع أن الهجرة ليست من أركان الدين والحج منها، فينبغي أن يجوز لها الحج بغير محرم بالطريق الأولى.
قلت: قد مر جوابه عن قريب مختصراً، ونعيده هنا فنقول: المهاجرة لا [....] السفر، ولكنها تقصد النجاة، ألا ترى أنها إذا وصلت إلى حي من المسلمين من دار الحرب صارت آمنة ليس لها بعد ذلك أن تسافر بغير محرم؛ ولأنها مضطرة هناك لخوفها على نفسها، ألا ترى أن