للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأن الحرمة وإن كانت لشبهة البعضية الثابتة بنشوز العظم، وإنبات اللحم، لكنه أمر مبطن، فتعلق الحكم بفعل الإرضاع، وما رواه مردود بالكتاب أو منسوخ به

ــ

[البناية]

يقتضي وجوب التحريم بقليل الفعل وكثيره لصدق إطلاق اسم الأم عليه، وهذا لأن كل حق يتعلق بعلة في الشرع يثبت الحكم بوجوده، لا تعدد فيه، وقيل لابن عمر: إن ابن الزبير يقول: لا بأس بالرضعة والرضعتين، فقال: قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير.

وقال أبو بكر بن العربي: الرضاع وصف ثبت بنفس الفعل، وهذا معلوم عربية، وشرعًا. قال عز وجل: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] (النساء: الآية ٢٣) ، ارتبط التحريم بالرضاع مطلقًا، من غير تقييد بخمس، أو سبع، أو عشر، أو نحو ذلك، فمن قدره بعدد لا يدل القرآن عليه فقد رفع حكم الآية بأمر مضطرب، لا يعول عليه.

واستدل أصحابنا أيضًا بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم، من حديث ابن عباس، ومن حديث عائشة، وقد تقدم الكلام فيه في أول كتاب النكاح. قوله: - من غير فصل - يعني بين القليل والكثير في الكتاب والحديث، روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله حرم من الرضاع ما حرم من الولادة» متفق عليه.

وفي البخاري ومسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من الرحم» وفي لفظ: «ما يحرم من النسب» من غير تقييد بعدد كالقرآن.

م: (ولأن الحرمة وإن كانت لشبهة البعضية) ش: هذا دليل معقول، يتضمن جواب سؤال مقدر، تقديره أن يقال: لما كان التحريم باعتبار إنشاز العظم، وإنبات اللحم، وذلك يحصل بالكثير دون القليل، وتقدير الجواب: أن الحرمة وإن كانت باعتبار شبهة البعضية الحاصلة من اللبن م: (الثابتة بنشوز العظم وإنبات اللحم) ش: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرضاع أنشز العظم وأنبت اللحم» والإنشار بالراء الإحياء، قال الله تعالى: {إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: ٢٢] (عبس: الآية ٢٢) ، والمعنى في الحديث: نشره، كأنه أحياه، ويروى بالزاي، يقال: نشز الشيء إذا ارتفع.

م: (لكنه أمر مبطن) ش: فيه خفاء، والرضاع سبب ظاهر م: (فتعلق الحكم) ش: أي حكم الحرمة م: (بفعل الإرضاع) ش: يعني بمجرد الإرضاع م: (وما رواه) ش: أي ما رواه الشافعي من قوله: «لا تحرم المصة» ... الحديث م: (مردود بالكتاب) ش: لأن العمل بالكتاب أقوي على تقدير أن يكون الكتاب قبله م: (أو منسوخ به) ش: أي بالكتاب إن كان بعده. وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: قوله: «لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان» كان ذلك، فأما اليوم فالرضعة الواحدة تحرم، فيجعل ذلك منسوخًا، حكاه عنه أبو بكر الرازي، ومثله روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

وقال ابن بطال: أحاديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مضطربة، فوجب تركها والرجوع

<<  <  ج: ص:  >  >>