للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قليلا كانت النجاسة أو كثيرا

ــ

[البناية]

لم يلاق النجاسة.

والوجه الثاني في دفع المناقضة أن يقال المراد بالكثير ما لا يغيره وقوع النجاسة، وهو الذي جعله مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - كثيرا، أو القلتان وهو الذي جعله الشافعي كثيرا فيكون هذا لإثبات الكثير المختلف فيه فلا يتناول الذي لا تصل النجاسة فيه إلى الطرف الآخر فلا يمنع الوضوء منه.

قلت: المناقضة التي هي تقع ظاهرا بين قوله وكل ما وقعت فيه النجاسة لم يجز الوضوء به وبين قوله الغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الآخر وإذا وقعت نجاسة في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر، بيان ذلك أن قوله أولا وكل ماء يتناول الكلامين جميعا لأن لفظ كل إذا أضيف إلى النكرة يراد به عموم الأفراد، ففي كلامه الأول نفي الجواز، وفي الثاني أثبته وبينهما منافاة وبين الشارح دفع ذلك بالوجهين المذكورين.

م: (قليلا كانت النجاسة أو كثيرا) ش: هذه عبارة القدوري وفي بعض نسخ " الهداية " قليلا كانت النجاسة أو كثيرا، وتوجيه عبارة القدوري أن يكون الضمير في كان راجعا إلى الماء في قوله وكل ماء الذي أريد به الماء الراكد، والضمير اسم كان وخبره قوله قليلا مقدما عليه، وتوجيه النسخة الثانية أنه شبه فعيلا الذي هو بمعنى فاعل بفعيل الذي هو بمعنى مفعول كما في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٦] (الأعراف: الآية ٥٦) قال بعض شراح القدوري قليلا كان أو كثيرا إن كان وصفا للماء فالكثير من الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه كالقاذورات في الحياض الكبار والبحار، وإن كان وصفا للنجاسة فلا بد من تاء التأنيث في القليل والكثير لأنه فعيل بمعنى فاعل، ثم قال هو وصف للماء لكن نفى جواز الوضوء بالمحل والجانب الذي وقعت فيه النجاسة.

ولمشايخنا في هذه المسألة قولان أن الغدير العظيم إذا وقعت فيه نجاسة هل يجوز التوضؤ من جانب الوقوع، ففي أكثر روايات الحسن عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وروايات بشر عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يجوز، وفي ظاهر الأصول لا يجوز، وهو اختيار المصنف على ما أشار إليه في مسألة الغدير، ولم يذكر وجه كون القليل والكثير صفة للنجاسة. وقال صاحب " الدراية ": إن كان لفظ القليل صفة للماء كان الخلاف مع الشافعي، وإن كان صفة للنجاسة كان الخلاف مع مالك، فإن عنده لا ينجس الماء القليل بوقوع النجاسة إذا لم ير لها أثر.

وفي بعض أصحاب مالك القليل ينجس بالنجاسة القليلة وإن لم يتغير به، والقليل كاف للوضوء والغسل وإن كان لفظ القليل والكثير صفة للنجاسة فذكر فيما مر. وقال الأترازي بعد أن وجه كون القليل والكثير عند كونهما صفة للنجاسة بأن ذكر بالتذكير كما ذكره، وقال بعضهم:

<<  <  ج: ص:  >  >>