للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

منه أو يغتسل فيه» وأخرجه الطبراني بهذا الطريق، وأخرجه الطحاوي أيضا من حديث عطاء بن سعيد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه أو يشرب» . وأخرجه البيهقي أيضا نحوه.

قوله: «أو يشرب» أي منه، وجه التمسك بهذا الحديث أن الغسل من الجنابة لا يغير لون الماء ولا طعمه ولا ريحه وقد نهي عنه فإذا لا ينجسه بوقوع النجاسة بكل حال لم يكن للنهي فائدة ولا فصل في الحديث بين الدائم ودائم فهو على العموم إلا أن يصير في حكم الجاري كالحوض الكبير، ولأن الماء الذي يغتسل فيه أكثر من قلتين طاهر.

فإن قلت: الحوض الكبير دائم والحديث مطلق فيدخل تحت إطلاقه فيكون حجة عليه.

قلت: إنه في حكم الجاري في عدم اختلاط بعضه ببعض فإن قلت: يجوز أن يكون النهي فيه للتنزيه، قلت: لا يجوز لأن تأكيده وتقييده بالدائم ينافيه فإن الماء الجاري يشاركه في ذلك المعنى فإن البول كما أنه ليس باد في الماء الدائم فكذلك في الجاري فلا يكون للتقييد فائدة. وكلام الشارح مصون عن ذلك.

وزعم النووي أن النهي فيه للتحريم في بعض المياه والكراهة في بعضها، فإن كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث، ولكن الأولى اجتنابه. وإن كان قليلا جاريا فقال جماعة من أصحابنا يكره، والمختار أنه لا يحرم لأنه يقدره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي، وإن كان كثيرا دائما فقال أصحابنا: يكره ولا يحرم ولو قيل: يحرم لم يكن بعيدا. فقيل: إذا بال في الماء الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه والصواب المختار أنه حرام، والتغوط فيه كالبول فيه وأقبح. وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء، قلت: زعم أنه من باب استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين وفيه من الخلاف ما هو معروف عند أهل الأصول. ثم نتكلم في ألفاظ الحديث فقوله: الدائم، أي الثابت الواقف. وقوله: الذي لا يجري تفسير للدائم وإيضاح لمعناه. قوله: أو الراكد - شك من الراوي من ركد إذا ثبت، قال الجوهري: ركد الماء ركودا ثبت وكل ثابت في مكان راكد. قوله: نهى حكاية النهي كما أن قوله: أمر حكاية الأمر، واختلفوا فيما إذا قال الصحابي أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو السنة كذا، فالمذهب عندنا أنه لا يفهم من هذا المطلق الإخبار بأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أنه سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في القديم: ينصرف إلى ذلك عند الإطلاق، وفي الجديد قال: لا ينصرف إلى ذلك بدون البيان، لاحتمال أن يكون المراد سنة البلدان أو الرؤساء، حتى لو قال في

<<  <  ج: ص:  >  >>