للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

صاحب " الدراية " وفي " الكافي " هذا أنسب في القوانين ثم أطال الكلام، ولخصه الأكمل، فقال: والجواب أنه يحكى عن ثعلب أراد الطهور ما يطهر غيره إلى آخره. قال: ورد عليه بأن هذا إن كان لزيادة بيان نهايته في الطهارة كان سديدا، ويعضده قَوْله تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: ١١] (الأنفال: الآية ١١) وإلا فليس نقول من التعليل في شيء، وإن كانت بيانا لنهاية فيها لا يستدل على تطهير الغير فضلا عن التكرار فيه.

وقال صاحب " الدراية " في آخر كلامه: ولم يتضح لي سر هذا الكلام. وقال الأترازي: قوله كالمقطوع فيه تسامح؛ لأن المشبه يقال من الفعل اللازم والمشبه به من الفعل المتعدي، إلا أن المبالغة في الطهارة بأن يظهر أثرها في العين فصار بمعنى المطهر.

وقال السغناقي: قال الشيخ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الماء مطهر لغيره؛ لأن الطهور بمعنى المطهر، بل علم ذلك بسبب العدول من صيغة الطاهر إلى صيغة الطهور التي هي للمبالغة في ذلك الفعل كالمغفور والشكور فيهما مبالغة ليس في الغافر والشاكر، وليس تكون تلك المبالغة في طهارة الماء إلا باعتبار أنه يطهر غيره؛ لأن في نفس الطهارة كلتا الصيغتين سيان، فلا بد من معنى زائدة في الطهور وليس في الطهارة، ولا ذلك إلا بالتطهير لا أن الطهور جاء بمعنى المطهر لأنه من طهر الشيء وهذا لا يستفاد منه التعدي.

قلت: تقدير هذا الكلام أن مالكا والشافعي - رحمهما الله - احتجا بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] (الفرقان: الآية ٤٧) ووجه ذلك أن الطهور مصدر، ومنه «مفتاح الصلاة الطهور» «وطهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب» «ولا صلاة إلا بطهور» نص عليه سيبويه والخليل والمبرد في " الكامل " والأصمعي وابن السكيت.

ثم قولهما: إن الطهور ما يطهر غير مرة بعد أخرى غير مثبت في القولين، واحتج لهما من ينصرهما بما روي عن ثعلب: الطهور ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره كالقطوع فإن فيه معنى التكرار والصيغتان أوردا عليه بما ذكر الآن، وتحقيق الردين قياسه الطهور الذي هو من طهر اللازم على ما هو مشتق من الأفعال المتعدية كتطوع وتنوع غير صحيح، والصيغة إذا أخذت من الفعل اللازم كانت للمبالغة والتكثير في الفاعل نحو مات زيد وموت ونام ونوم، ولا يتعلق به الفعول البتة، وإن كان الفعل متعديا كان الثلاثي في مفعوله نحو قطعت الثوب.

والطهور مأخوذ من فعل ثلاثي لازم فكيف يتصور أن يؤخذ منه معنى الرباعي المتعدي فيكون المراد به التكرار وتكثير المفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: فلان صبور من صبر فمعناه كثير

<<  <  ج: ص:  >  >>