للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

فإن قلت: استدل الشافعي ومن تابعه بما روي عن ابن المسيب أنه سئل عن ذلك، فقال: يفرق بينهما سنة. قال الشافعي: قوله سنة، أي سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال في الرجل، لا يجد ما ينفق على امرأته: " يفرق بينهما» رواه الدارقطني، وبما روي في حديث أبي هريرة «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: " تقول أطعمني وإلا فارقني» رواه البخاري وغيره.

قلت: الجواب عن قول سعيد بن المسيب من وجوه:

الأول: أنه لما روي ذلك عن عبد الرحمن بن أبي زياد، قال ابن حزم: هو لا شيء، فسقط الاحتجاج به.

والثاني: أن قول ابن المسيب أنه سنة لا نسلم أنه سنة الرسول - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، لأن السنة كما تطلق على سنة الرسول تطلق على سنة غيره أيضًا. ألا ترى إلى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سن بكم معاذ سنة حسنة» وسنة العمرين فاشتبه بين العلماء.

والثالث: أنه مرسل، والشافعي لا يجعل المرسل حجة. فإن قيل: الشافعي استثنى مراسيل سعيد بن المسيب كلها، ولا غيره، والشرط عنه في العمل بالمرسل أن يُروى من طريق آخر مرفوعًا أو عمل به بعض الصحابة.

وقال ابن حزم: وروي عن ابن المسيب قولان مختلفان، فأيهما كان السنة والآخر خلاف السنة، فبطل قوله السنة لاضطرابه ومخالفة بعضه بعضًا. وقال أيضًا: خالف ابن المسيب عمر وعليا وغيرهما. والجواب عن حديثه الآخر أنه قيل لأبي هريرة: سمعت هذا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: لا، هذا من كيس أبي هريرة. رواه عنه كذلك البخاري. ولأن ذلك من قول المرأة، وليس فيه أن الرجل يلزم به.

فإن قلت: الشافعي استدل أيضًا بقوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] (البقرة الآية ٢٢٩) ، فإن الرجل لما عجز عن الإمساك بالمعروف، تعين التسريح بالإحسان، فلما أبى ذلك ناب القاضي منابه دفعًا للظلم كما ذكرنا.

قلنا: نحن أيضًا استدللنا بقوله تعالى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] (البقرة: الآية ٢٨٠) نص الله تعالى وعز وجل على أن المعسر يستحق الإنظار والإمهال، فلو أجلته المرأة في النفقة ما كان لها أن تطالب بالفرقة، فكذا إذا ثبت الأجل شرعًا، وقد ذكرنا بقية دليلنا عن

<<  <  ج: ص:  >  >>