قلت: قد يكون المضاف إليه مقصودا، وإن كان يجوز أن يعود إلى المضاف إليه، وما نحن بصدده من هذا القبيل لكونه شاملا للمضاف أشد وأحوط في العمل؛ لأن الضمير إن رجع إلى اللحم لم يحرم غيره، وإن رجع إليه يشمل الجميع.
والعجب من الأترازي أنه أخذ في الجواب عن هذا السؤال محصل كلام المصنف، ثم قال: هذا الجواب مما سنح له خاطري.
وقال: أيضا: وقيل في صرفه إلى الخنزير عمل بهما لاشتماله على اللحم، ولا ينعكس. أقول: فيه نظر؛ لأن لقائل أن يقول: لا نسلم لأن الجلد على تقدير عود الضمير إلى اللحم لا يكون نجسا، وعلى تقدير عوده إلى الخنزير يكون نجسا، وفي كون الجلد نجسا وغير نجس منافاة فيكون العمل بهما أحوط. انتهى كلامه.
أقول: قوله - وقيل: هو صاحب التوشيح -: فإني رأيت بهذه العبارة فلا أدري هل هو من عنده أو نقله عن أحد. وقوله - في كونه نجسا أو غير نجس منافاة - غير مسلم؛ لأن المنافاة إنما تكون إذا كان كونه نجسا وغير بتقدير واحد. والذي قاله القائل المذكور بتقديرين فكيف تكون المنافاة.
ثم قال الأترازي: ومما ظهر لي في فؤادي من الأنوار الربانية والأجوبة الإلهامية أن الهاء لا يجوز أن ترجع إلى اللحم؛ لأن قَوْله تَعَالَى:{فَإِنَّهُ رِجْسٌ}[الأنعام: ١٤٥] خرج في مقام التعليل، فلو رجع إليه لكن تعليل الشيء بنفسه وهو فاسد لكونه مصادرة، وهذا لأن نجاسة لحمه عرفت من قَوْله تَعَالَى:{أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ}[الأنعام: ١٤٥] لأن حرمة الشيء مع صلاحيته للغذاء لا للكرامة آية النجاسة فحينئذ يكون معناه كأنه قال: لحم خنزير نجس فإن لحمه نجس.
أما إذا رجع إلى الخنزير فحينئذ يكون معناه كأنه قال: لحم خنزير نجس لأن الخنزير نجس، يعني إن هذا الجزء من الخنزير نجس، لأن كله نجس. هذا هو التحقيق في الباب لأولي الألباب.
قلت: فيما قاله نظر؛ لأن دعواه بعدم جواز رجوع الضمير إلى اللحم غير صحيحة، لأن الأصل في هذا الباب رجوع الضمير إلى المضاف، وإن كان رجوعه إلى المضاف إليه صحيحا، وذلك لأن المضاف هو المقصود بالذكر كما في قولك: رأيت غلام زيد وكلمته، فإن الأصل أن يكون التكلم للغلام، فإن كان يجوز أن يكون لزيد كما في قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}[الرعد: ٢٥](البقرة: الآية ٢٧) فإن الضمير يجوز أن يرجع إلى كل واحد من المضاف والمضاف إليه.
ثم تعليل الأترازي بقوله: رجس خرج في مقام التعليل اهـ -، وقوله - هذا هو التحقيق في