فإن قلت: قال البيهقي في " المعرفة ": رواه قتادة عن ابن عباس مرسلا لم يلقه ولا سمع منه إنما هو بلاغ بلغه، وقال أيضا: وجابر الجهني لا يحتج به، وابن لهيعة ضعيف لا يحتج به.
قلت: المراسيل عندنا حجة ولا سيما [إذا] أرسلت من طرق مختلفة، فينبغي أن يكون حجة عند الكل على أنه ذكر البيهقي في " الخلافيات " عن شعبة أنه قال: حدثنا ابن سيرين عن ابن عباس والصحيح أن بينهما عكرمة، فإذا أرسل ابن سيرين وكان بينهما ثقة وهو عكرمة كان الحديث صحيحا محتملا به. وفي " التهذيب " لابن عبد البر مراسيل ابن سيرين عندهم حجة صحيحة كمراسيل سعيد بن المسيب.
وأما جابر فإن له أحاديث صالحة، وقد روى عنه الثوري في الكبير مقدار خمسين حديثا وقتيبة أقل رواية عنه من الثوري وقد احتمله الناس وردوا عنه ولم يختلف أحد في الرواية عنه، وعن الثوري ما رأيت أورع في الحديث من الجعفي، وعن شعبة قال: هو صدوق في الحديث، وأما عبد الله بن لهيعة فإن حسن الحديث يكتب حديثه، وقال: حدثت عنه الثقات، وقتيبة وعمرو بن الحارث والليث بن سعد، وعن أحمد من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه في ضبطه وإتقانه، وحدث عنه أحمد بحديث كثير، وقال ابن وهب: كان ابن لهيعة صادقا، ولئن سلمنا ما قاله البيهقي فإن نزح زمزم قد روي من طرق صحاح منها رواية الطحاوي وابن أبي شيبة التي ذكر.
فإن قلت: اعتمد البيهقي في تضعيف هذه القصة بأثر رواه عن سفيان بن عيينة، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي الوليد الفقيه عن عبد الله بن شبرمة قال: سمعت أبا قدامة يقول: سمعت سفيان بن عيينة بقول: أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي، قالوا: إنه وقع في زمزم، ولا سمعت أحدا يقول: نزحت زمزم. ثم أسند عن الشافعي أنه قال: لا يعرف هذا عن ابن عباس، وكيف يروى عن ابن عباس وهو قد روى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الماء لا ينجسه شيء» ، ويترك وإن كان قد جعل فالنجاسة ظهرت على وجه الماء أو نزحا للتنظيف لا للنجاسة فإن زمزم للشرب.
قلت: قد عرفت هذا الأمر وأثبته أبو الطفيل عامر بن واثلة أي الصحابي، ومحمد بن سيرين وقتادة ولو أرسلاه، وعمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح ومعمر، والمثبت مقدم على النافي خصوصا مثل هؤلاء الأعلام، ولا يلزم من عدم سماع من لم يدرك ذلك الوقت وعدم من يعرفه عدم هذا الأمر في نفسه وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يترك بل خصصه كما خصصت أنت أيها الشافعي، وقلت بنجاسة ما دون القلتين بالنجس ولم يعتبر نجاسته ما بلغ قلتين فصاعدا.
وأما الذي قاله ابن عيينة فيجوز أن لا يكون الذي قالوا ما قالوا أدركوا الوقت الذي وقعت