فيه القضية أو كانوا غائبين في معايشهم ومصالحهم؛ ولأن البئر إذا نزحت لا يحضره جميع أهل البلد ولا أكثرهم، وإنما يحضره من له بصارة في أمر البئر وبعض من يستعان به على نزحه، ألا ترى أنك لو سألت الآن هل نزحت بئر بالقاهرة لعله ما عرفه أحد، وفيها أكثر من عشرة آلاف بئر أكثر من عين الأدبر فكيف ينزح بئر لم يكن على عهدهم ولا عهد آبائهم، ومع أن بين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وبين هذه الكائنة أكثر من مائة وخمسين سنة، فمن أين لهم ذلك، وكذا الكلام فيما قال ابن عيينة.
فإن قلت: قال الثوري بهذا أكثر أهل مكة فكيف يتوهم بعد هذا صحة هذا القضية؟
قلت: هذا مردود من وجوه:
الأول: أن قول ابن عيينة ما سمعت لا يفيد؛ الأشياء التي ما سمعها هو ولا غيره لا تعد ولا تحصى ولا يدل ذلك على عدم وقوعها.
الثاني: أن الذي شاهد هذه القضية لا يلزم أن يجيء إلى ابن عيينة ويخبره بها حتى يستدل بعدم إخباره على عدم وقوعها.
الثالث: أنه لم يقل: إني سألت عن هذا الأمر جميع أهل مكة، وسألت عنه ثم كشف فلم أجده وقع.
الرابع: ما ذكرنا من أن نقل الإثبات إثبات، وهو مقدم على النفي، ولا سيما في ابن عيينة فإنه زائد، فالإثبات مقدم على النفي بإجماع الفقهاء والأصوليين والمحدثين، ولا سيما إذا كان المنكر الثاني لم يدرك بسبب الحادثة التي ينكرها وينفيها.
فإن قلت: قال النووي: وكيف يصل هذا إلى الكوفة ويجهله أهل مكة؟
قلت: هذه غفلة عظيمة منه، وهذا القول منه مخالف لقول إمامه، فإنه حكى عنه ابن القاسم ابن عساكر أنه قال لأحمد وغيره: أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإن كان خبر صحيح فأعلموني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا، فهل قال: كيف إمامه ويقتضي ما قال ينبغي أن لا يكون خبره حجة حتى يعرض على أهل مكة والمدينة، فإذا لم يعرض لا يكون حجة، وهذا خلاف الإجماع مع ما فيه من مخالفة نص إمامه.
والذي يدل على بطلان قوله أن عليا وأصحابه وعبد الله بن مسعود وأصحابه وأبا موسى الأشعري وأصحابه وعبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وجماعة من أصحابه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وسلمان الفارسي وعامة أصحابه، والتابعين - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - انتقلوا إلى الكوفة