وهذان عن أبي يوسف، وعن محمد نزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة فكأنه بنى قوله على ما شاهده في بلده. وعن أبي حنيفة في " الجامع الصغير " في مثله ينزح حتى يغلبهم الماء ولم يقدر الغلبة بشيء كما هو دأبه،
ــ
[البناية]
م:(وهذان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هذان الوجهان مرويان عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:(وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - نزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة) ش: أي عند محمد ينزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة دلو م: (فكأنه) ش: أي فكأن محمدا - رَحِمَهُ اللَّهُ - بنى جوابه في المسألة المذكورة م:(بنى قوله على ما شاهد في بلده) ش: وهو ببغداد من كثرة الماء في آبارها لمجاورة دجلة، فالمائتان تكون من طريق الوجوب، والمائة الأخرى بطريق الاستحباب للاحتياط في أمور الدين، ولو قيل هذا نصب المقدر بالرأي، فجوابه قد مر في هذا الباب.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " في مثله) ش: أي روي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مثل هذا الحكم المذكور (ينزح حتى يغلبهم الماء) ش: أي حتى يعجزوا والماء لا يبقى فحينئذ يسقط التكليف، لأنه يعتمد الإسقاط عنه. وفي " فتاوى الثعالبي " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذا نزح مائتا دلو أو ثلاثمائة فقد غلبهم الماء وهو المختار، وقدره أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في اشتراط الغلبة [على] قول علي وابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ذكره ابن المنذر قاله بعض الشراح.
قلت: قال الطحاوي: حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني قال: حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا موسى بن أعين عن عطاء وزاذان عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سقطت الدابة في البئر فانزحها حتى يغلبك الماء. ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع عن حمزة عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الفأرة تقع في البئر قال: تنزح إلى أن يغلبهم الماء.
م:(ولم يقدر) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م:(الغلبة بشيء) ش: لأنها متفاوتة، وهذا هو ظاهر الرواية. قال قاضي خان: الصحيح عنه العجز وعنه التفويض إلى رأي المبتلى به، وعنه مائتا دلو، وعنه مائة دلو أفتى به في آبار الكوفة لقلة مائها. وفسر الأسبيجابي بالغلبة بمائتي دلو وثلاثمائة ذكره في " المحيط " وقاضي خان. وفي " المحيط " وفي رواية: مائتان وخمسون دلوا؛ لأن ماءها غالبا لا يتجاوز ذلك.
م:(كما هو دأبه) ش: أي رأي أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي عادته، فإن عادته أن يفوض مثل هذا إلى رأي المبتلى به، كما فعل كذلك في تفسير البعرة الواقع الكثير حيث قال: هو ما يستكثره الناظر، وكما في حبس الغريم، وحد التقادم، وانقطاع حق الحضانة.