للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يحمد من خالفه، وفي كل من ذلك قدوة فيتخير.

ــ

[البناية]

وفي " المبسوط " من صحابة سلمان، وأبا بردة فقالوا: اقسم بيننا، فإن الغنيمة حقنا، وكان عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: ما فعلت هو الحق، ولم يدركوا الحكمة فيما فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتمسكوا بالظاهر فيما فعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخيبر، ولم يكن فعله ذلك بأهل خيبر بطريق الحتم، إذ لو كان بطريق الحتم لما خالفه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد روى البخاري في صحيحه بإسناده إلى زيد بن أسلم عن أبيه، قال: قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها، كما قسم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيبر، ولما لم يرجع بلال وأصحابه عما قالوا ولم يتركوا المنازعة مع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دعا عمر عليهم.

وقال القاضي أبو زيد: روي أن عمر قال: اللهم اكفني بلالاً وأصحابه، فحال الحول وما فيهم عين تطرف ماتوا كلهم. وقال تاج الشريعة: فدعا عليهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على المنبر وقال: اللهم اكفني بلالاً وأصحابه، فماتوا جميعاً قبل تمام السنة، وأشار المصنف إلى ذلك بقوله م: (ولم يحمد من خالفه) ش: أي من خالف عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (وفي كل من ذلك قدوة) ش: أي من القسمة بين الغانمين وإقرار أهلها قدوة، أي اتباع لما فعله عمر ومن وافقه من الصحابة، فإذا كان كذلك م: (فيتخير) ش: الإمام بين القسمة وإقرار أهلها عليها. ولقائل أن يقول: لا نسلم أن أحداً من الصحابة بل أكثرهم يصير قدوة على خلاف ما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذا لم يصل إلى حد الإجماع. والجواب عنه من وجهين، أحدهما أن فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا لم يصل إلى حد الإجماع يعلم أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - على أي جهة فعله يحمل على أدنى منازل فعاله وهي الإباحة، وحينئذ لا يستوجب لا محالة، فإذا ظهر دليل صحابي جاز أن يعمل بخلافه.

قلت: فيه تأمل. والآخر أن يقال فيه: إن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد علم من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ما فعله بأهل خيبر لم يكن على وجه الحتم، كما ذكرناه الآن.

الوجه الثاني: أنه على تقدير أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فعل ذلك وجوباً، فإن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فعل ما فعل مستنبطاً من قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠] بعد قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: ٧] (الحشر: الآية ٧) .

فيكون ثابتاً بإشارة النص وهي تفيد القطع، فيكون الواجب أحدهما يتعين بفعل الإمام كالواجب المخير في خصال الكفارة فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدهما وفعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الآخر، هذا الذي ذكره الأكمل.

وقال صاحب " النهاية ": روي [أن] عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - استشار الصحابة مراراً ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>