بخلاف الرقاب، لأن للإمام أن يبطل حقهم رأسا بالقتل والحجة عليه ما رويناه، ولأن فيه نظرا لهم لأنهم كالأكرة العاملة للمسلمين العالمة بوجوه الزراعة والمؤن مرتفعة، مع ما أنه يحظى به الذين يأتون من بعد، والخراج وإن قل حالا فقد جل مآلا لدوامه. وإن من عليهم بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات بقدر ما يتهيأ لهم العمل ليخرج عن حد الكراهة.
ــ
[البناية]
فأجاب بقوله: م: (بخلاف الرقاب) ش: يعني أن حقهم لم يتعلق بها م: (لأن للإمام أن يبطل حقهم رأساً) ش: يعني بالكلية م: (بالقتل) ش: فكذا له أن يبطل بالخلف وهو الجزية، وهذا لأنها خلقت في الأصل حراً، والملك يثبت معارضاً، فالإمام إذا استرقهم فقد بدل حكم الأصل، فإذا جعلهم أحراراً فقد بقي حكم الأصل فكان جائزاً.
م:(والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (ما رويناه) ش: أي من فعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بموافقة الصحابة م:(ولأن فيه) ش: أي في إقرار أهله عليه م: (نظراً لهم) ش: أي للمسلمين م: (لأنهم) ش: أي لأن الكفار يكونون م: (كالأكرة) ش: بفتح الهمزة والكاف والراء، أي كالمزارعين م:(العاملة للمسلمين العالمة بوجوه الزراعة) ش: حاصل الكلام أن تصرف الإمام وقع على وجه النظر في إقرار أهلها عليها، لأنه لو قسمها بين الغانمين اشتغلوا بالزراعة وقعدوا عن الجهاد.
وكان يكره العدو، وربما لا يهتدون لذلك العمل أيضاً، فإذا تركها في أيديهم وهم عارفون بالعمل صاروا كالأكرة المزارعين للمسلمين القائمة بوجوه الزراعة م:(والمؤن) ش: أي مؤن الزراعة م: (مرتفعة) ش: عن الإمام وعن المسلمين م: (مع أنه يحظى) ش: بالظاء المعجمة م: (به الذين يأتون من بعد) ش: قال شيخنا: هذا إشارة إلى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}[الحشر: ١٠] .
م:(والخراج وإن قل) ش: هذا جواب عن قول الشافعي، والخراج غير معادل لعلته، تقدير الجواب أن الخراج وإن قل م:(حالاً) ش: لكونه بعض ما يمكن أن يخرج في سنته م: (فقد جل) ش: بالجيم م: (مآلاً) ش: أي في المستقبل م: (لدوامه) ش: في وجوبه كل سنة.
م:(وإن من) ش: أي الإمام م: (عليهم) ش: أي على الكفار م: (بالرقاب والأراضي يدفع إليهم من المنقولات بقدر ما يتهيأ لهم العمل) ش: لأنهم لا يتمكنون من الانتفاع بالأراضي إلا بأسباب الزراعة، فلا بد من أن يدع لهم ما به يتقوون على ذلك م:(ليخرج عن حد الكراهة) ش: معناه ما قال الإمام التمرتاشي فإن من عليهم برقابهم وأراضيهم وقسم النساء والذراري وسائر الأموال جاز.
ولكن يكره لأنهم لا ينتفعون بالأراضي بدون الأموال ولا يقالهم بدون ما يمكن به مرجئة العمر إلا أن يدع لهم ما يمكنهم به العمل في الأرض، لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يفعل ذلك