قلت: حديث أبي هريرة أقوى لأن الحاكم وغيره من أئمة الحديث صححوه، وحديث عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رواه الدارقطني وقال: تفرد به داود بن صالح، وكذا قال الطبراني والبزار وقال: لا يثبت، والذي ذكره خارج عن صنعة أهل الحديث وعن اصطلاح الفقهاء أيضا.
وكان ينبغي أن يرتب هذا السؤال والجواب من حديث أبي هريرة وحديث أبي قتادة، والذي رواه الإمام مالك وأخرجه الأربعة وصححه الترمذي.
فنقول وبالله التوفيق: إن حديث أبي هريرة لا يلحق حديث أبي قتادة في القوة فلا يخرج عليه.
فإن قلت: قال بعضهم قوله: «ليست بنجس» من قول أبي قتادة. قلت: قال ابن عبد البر هذا غلط، وروى الطبراني في " الصغير " من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن الحسين عن أنس قال: «خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أرض بالمدينة يقال لها بطحان فقال:"يا أنس اسكب لي وضوءا"، فسكبت له فلما قضى حاجته أقبل إلى الإناء وقد أتى هر فولغ في الإناء فوقف له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى شرب فذكرت له ذلك، فقال: " يا أنس إن الهر من متاع البيت لن يقذر شيئا ولن ينجسه» قال: تفرد به عمر بن حفص فبقيت الكراهة لأنه لا يلزم عن سقوط النجاسة سقوط الكراهة.
فإن قلت: إنما يكون كذلك لورود ذلك النص قبل هذا النص.
قلت: يراد من ذلك النص حرمة اللحم لكونه صريحا فيها ومن هذا النص كراهة السؤر.
م:(وما رواه) ش: أي ما رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - من فعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان يصغي له الإناء ... الحديث م:(محمول على ما قبل التحريم) ش: أي تحريم الهرة، وذلك في وقت تحريم السباع.
فإن قلت: من أين علم أن ما رواه أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - كان قبل التحريم.
قلت: إذا اجتمع المبيح والمحرم في قضية ولا يعلم التاريخ فالعمل للمحرم، وقيل: إذا لم يعلم التاريخ يجعل كأنهما وردا أيضا وإضافة الحرمة إلى ما هو صريح في التحريم أولى، وبقيت الكراهة لقصور العلة؛ لأنه يمكن أن تحفظ الأواني عنها بحيلة بأن تسد أفواهها، ويقال: يحمل ما رواه أبو يوسف على أن الهرة التي كانت في بيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كانت تأكل الفأرة كرامة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأما غيرها فيحمل على أنها شربت عقيب أكل الفأرة، ويحتمل غير ذلك فكان مكروها، وكراهة