إبطال حق الغير فلا يجوز، والحديث محمول على خيار القبول، وفيه إشارة إليه فإنهما متبايعان حالة المباشرة لا بعدها
ــ
[البناية]
أيضا:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}[البقرة: ٢٨٢](البقرة: الآية ٢٨٢) ندب إلى الإشهاد على العقد توثقة لهما، وفي ثبوت الخيار يسقط معنى التوثيق فكان فيه إبطال معنى الكتاب.
وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «المسلمون عند شروطهم» ، وقد شرطا إمضاء البيع فيلزمهما، «وقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لحبان بن منقذ:"إذا اشتريت فقل: لا خلابة ولي الخيار» . فعلم أن البيع يلزم بالإيجاب والقبول، وفي إثبات الخيار لأحدهما يلزم إبطال حق الآخر فينتفي بقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» أي لا يضر الرجل أخاه ابتداء؛ لأن الضرر بمعنى الضر، وهو يكون من واحد، والضرار من اثنين بمعنى المضارة وهو أن تضر من ضرك ذكره في " المغرب ".
م:(والحديث محمول على خيار القبول) ش: لأن سياق الحديث يدل على ذلك؛ لأنهما يسميان متبايعين حقيقة حالة التشاغل لفعل البيع بأن يقول أحدهما بعني ويقول: الآخر بعت، فيتخير كل منهما بعد ذلك.
أما البائع له الخيار إما أن يثبت على ما قال أو يرجع عنه، وأما المشتري فله الخيار أيضا إما أن يقبل أو يرد ما داما في المجلس، وهذا تأويل قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - م:(وفيه إشارة إليه) ش: أي في الحديث إشارة إلى خيار القبول، وبين ذلك بالفاء التفسيرية بقوله: م: (فإنهما متبايعان حالة المباشرة لا بعدها) ش: يعني أن حقيقة اسم المتبايعين لهما حالة التشاغل بالعقد لا بعد الفراغ منه كالمتقابلين والمتناظرين.
وبه نقول: إن لكل واحد من المتساومين الخيار؛ لأن كونهما متبايعتين حالة المباشرة بطريق الحقيقة، لبقاء قوله بعت، إلى قوله اشتريت من حيث الشرع فالحقيقة الشرعية بمنزلة الحقيقة لغة، فيكون ما قلناه حقيقة، وما قاله الخصم مجازا باعتبار ما كان، إذ لو بقي قوله بعد بعت واشتريت بعد التكلم بهما لما جازت الإقالة؛ لأن رفع الشيء في حال ثبوته محال، وهذا؛ لأن البائع والمشتري قد اجتمعا على المبيع، فإذا تم الإيجاب والقبول فقد تفرقا عما اجتمعا عليه.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون الإيجاب والقبول شرطا باقيا ما داما في المجلس؟ قلت: لم ذكرنا من صحة الإقالة فيكون الباقي بمعنى الذي ثبت بالإيجاب والقبول.