«أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق، شك داود فقال: دون خمسة أوسق» والعرايا جمع عرية وهي النخلة التي عريها الرجل محتاجا أي أن يجعل له ثمرتها فرخص للمعري أن يبتاع ثمرتها من العري بتمر لموضع حاجته بسبب عرية؛ لأنه إذا وهب ثمرتها فكأنه جردها من الثمرة وعراها منه، ثم اشتق منه الإعراء كذا قاله في " الفائق "، والكلام في العرايا كثير، وقد وضع الطحاوي لها بابا، فقال: باب العرايا، وقد بسطت الكلام فيه في شرحنا له.
فأول ما قلت: العرية فعلية، بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصده ويحتمل أن يكون فعلية، بمعنى فاعلة من عري يعري إذا خلع ثوبه كأنها عريت من جملة التحريم، فعريت أي خرجت، وذكر الطحاوي بطرق مختلفة كلها تدل على صحة العرايا، حتى قال الطحاوي: قد جاءت هذه الآثار عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتواترت في الرخصة في بيع العرايا، فقبلها أهل العلم جميعا ولم يختلفوا في صحة مجيئها ولكن تنازعوا في تأويلها، فقال قوم: العرايا أن يكون الرجل له نخلة أو نخلتان في وسط النخيل الكثير لرجل آخر وقد كان أهل المدينة إذا كان وقت الثمار خرجوا بأهليهم إلى حوائطهم فيجيء صاحب النخلة أو النخلتين بأهله فيضر ذلك بصاحب النخيل الكثير، فرخص رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصاحب النخل الكثير أن يعطي لصاحب النخلة أو النخلتين بخرص ماله من ذلك تمر لينصرف هو وأهله عنه ويخلص تمر الحائط كله لصاحب النخل الكثير، فيكون هو وأهله فيه.
وقد روي هذا القول عن مالك بن أنس.
قلت: وروي أيضا عن الأوزاعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وسعيد بن جبير - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال قوم مثل هذا، إلا أنهم خصوا بذلك المساكين يجعل لهم تمر النخل فيصعب عليهم القيام عليها، فأبيح لهم أن يبيعوه بما شاءوا من التمر، وهذا قول سفيان بن حسين وسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وقال قوم: العرية الرجل يعري النخلة أو يستثني من ماله النخلة أو النخلتين بأكلها، فيبيعها بمثل خرصها، وهو قول عبد العزيز بن سعيد الأنصاري - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقال قوم: العرية أن يأتي أوان الرطب، وهنالك قوم فقراء لا مال لهم، ويريدون ابتياع رطب يأكلونه مع الناس ولهم فضول تمر من أموالهم، فإنه لهم أن يشتروا الرطب بخرصها فيما دون خمسة أوسق، وهو قول الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأبي ثور، ولا عرية عندهما في غير النخلة والعنب، وقال الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول فيما سمعت أحمد بن عمران يذكر أنه سمع ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -