ولو حد الكافر في قذف ثم أسلم تقبل شهادته؛ لأن للكافر شهادة فكان ردها من تمام الحد، وبالإسلام حدثت له شهادة أخرى، بخلاف العبد إذا حد ثم أعتق؛ لأنه لا شهادة للعبد أصلا فتمام حده شهادته بعد العتق.
ــ
[البناية]
قلت: يأباه ضمير الفصل، فإنه يفيد حصر أحد المسندين في الآخر، وهو مؤكد الإخبار به م:(أو هو استثناء منقطع بمعنى لكن) ش: كما في قَوْله تَعَالَى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا}[مريم: ٦٢](مريم: الآية ٦٢) معناه والله أعلم: ولكن سلاماً.
وهذا لأن من شرط الاستثناء كون المستثنى من جنس المستثنى منه وإن يكن له خبر على حدة، وها هنا المستثنى هو الاسم، والمستثنى منه الفعل فلا يكون من جنسه، وله خبر على حدة أيضاً، والاستثناء المنقطع يعمل بطريق المعارضة، ولا معارضة بين حكمه ورد الشهادة، وليس من ضرورة كونه تائباً كونه مقبول الشهادة كالعبد التائب التقي.
وقولنا في هذا هو قول سعيد بن المسيب والحسن وشريح وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وهكذا روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
م:(ولو حد الكافر في قذف ثم أسلم، تقبل شهادته) ش: ذكر هنا تفريعاً على ما تقدم صورته الذمي إذا حد في قذف لم تجز شهادته بعد ذلك على أهل ذمته، ثم إذا أسلم جازت شهادته على أهل الذمة، وعلى أهل الإسلام جميعاً م:(لأن للكافر شهادة فكان ردها من تمام الحد) ش: أي رد شهادته لأجل قذفه كان من تتمة حده م: (وبالإسلام حدثت له شهادة أخرى) ش: أي غير الأولى المردودة تتمة للحد.
م:(بخلاف العبد إذا حد ثم أعتق) ش: حيث لا تقبل شهادته عندنا، وقالت الأئمة الثلاثة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: تقبل كما في الكافر م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (لا شهادة للعبد أصلاً) ش: في حال رقه لا على المسلم ولا على الكافر م: (فتمام حده برد شهادته بعد العتق) ش: لأنه لا بد في حد القذف من رد الشهادة، وإنما حصلت له الشهادة بعد العتق، فترد شهادته الآن تتميماً للحد، وللكافر شهادة على جنسه، فيترتب عليه حكم المسلمين بإسلامه فتقبل شهادته. فإن قيل يشكل بمن زنا في دار الحرب وهو مسلم، ثم خرج إلى دار الإسلام حيث لا يقام عليه حد الزنا، فتوقف المؤثر في العبد ولم يتوقف في الزنا. الجواب أن الزنا في دار الحرب لم يقع موجباً أصلاً، لعدم ولاية الإمام، وإقامة الحد للإمام.
وأما قذف العبد موجب للحد، وتمامه برد شهادته، وقيل في قول المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بخلاف العبد إذا حد لم تقبل شهادته، لا فائدة في ذكر الحد إذ لو لم يحد ثم أعتق وحد لم تقبل شهادته أيضاً. وأجيب: إنما ذكره لبيان الفرق بينه وبين الكافر.