وهذا لاستقباحه ثم للرجوع موانع، ذكر بعضها فقال: إلا أن يعوضه عنها لحصول المقصود
ــ
[البناية]
وأما في بعض نسخ الهداية:«العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» وهو كذلك في غالب كتب أصحابنا. وهكذا أخرجه البخاري ومسلم عن طاووس عن ابن عباس أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال:«العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» .
م:(وهذا) ش: أي تشبيه النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - م:(لاستقباحه) ش: واستقذاره لا في حرمة الرجوع كما زعم الشافعي، ألا ترى أنه قال في رواية أخرى:«كالكلب يعود في قيئه» ، وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة وبه نقول إنه يستقبح.
قيل: قد استدل المصنف على كراهة الرجوع بهذا الحديث الصحيح، ثم يشترطون في جوازه الرضى أو القضاء، وإذا كان الرجوع بالرضى فلا كلام فيه، ولا إشكال، وأما إذا كان بالقضاء فكيف يسوغ للقاضي الإعانة على مثل هذه المعصية، وكيف يكون إعانة على المعصية التي هي معصية أخرى نتيجة للجواز.
وإذا كان الرجوع قبل القضاء غير جائز فبعده كذلك؛ لأن قضاء القاضي لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال، وإنما قضاء القاضي إعانة لصاحب الحق على وصوله إلى حقه، فإذا كان الرجوع في الهبة لا يحل لا يصير بالقضاء حلالًا، والقاضي غير مشرع.
وقد اعترف المصنف بعد ذلك بأن في الأصل الرجوع في الهبة واه، فكيف يسوغ للقاضي الإقدام على أمر واه ضعيف مكروه، ولا يقال إن اشتراط القضاء ليرتفع الخلاف؛ لأن القضاء في مسائل الخلاف إنما يشترطه المخالف في ثبوت الحكم.
م:(ثم للرجوع موانع ذكر بعضها) ش: أي ذكر القدوري بعض الموانع، قيل الموانع سبعة جمعها القائل في قوله: موانع الرجوع في فصل الهبة بسبعة حروف، دمع خزقه، فالدال الزيادة، والميم موت الواهب، والعين العوض، والخاء الخروج عن ملك الموهوب، والزاي الزوجية، والقاف القرابة، والهاء هلاك الموهوب. وذكر شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده في " مبسوطه " أن الموانع تسعة، وذلك لأن الموت على قسمين، موت الواهب وموت الموهوب له، والتاسع التغير من جنس إلى جنس.
م:(فقال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يعوضه عنها) ش: أي إلا أن يعوض الموهوب له الواهب عن الهبة م: (لحصول المقصود) ش: لأن مقصوده كان التعويض وقد حصل، قال أصحابنا: إن العوض الذي يسقط به الرجوع ما شرط في العقد، فأما إذا عوضه بعد العقد لا يسقط الرجوع؛ لأنه غير مستحق على الموهوب له، وإنما تبرع به ليسقط عن نفسه الرجوع فيكون هبة مبتدأة وليس كذلك إذا شرطت في العقد؛ لأنه يوجب أن يصير حكم العقد حكم