والمراد بما روي نفي استبداد الرجوع وإثباته للوالد؛ لأنه يتملكه للحاجة، وذلك يسمى رجوعا، وقوله في الكتاب: فله الرجوع لبيان الحكم، أما الكراهة فلازمة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» ،
ــ
[البناية]
فإن قيل: يشكل على هذا ما إذا وهب لعبد ذي الرحم المحرم، فإن له أن يرجع على قول أبي حنيفة ومع أنه ليس من أهل التعويض. وكذا في هبة الفقير.
قلت: هو من أهل أن يعوض بمنافعه التي توجد منه ومن أهل أن يعوض بكسبه عند إذن المولى. وأما الهبة للفقير فعبارة عن الصدقة، وقال صاحب " العناية ": لأن العادة الظاهرة أن الإنسان يهدي إلى من فوقه ليصونه بجاهه، وإلى من دونه ليخدمه وإلى من يساويه ليعوضه.
قلت: فعلى هذا ليس له الرجوع إلا في الثالث ومع هذا له الرجوع في الكل ما لم يعوض.
م:(والمراد بما روي) ش: أراد به الحديث الذي احتج به الشافعي وهو على صيغة المجهول ويجوز صيغة المعلوم بأن يكون الشافعي أعله، وأشار بهذا الكلام إلى الجواب عن هذا الحديث.
تقريره أن المراد به م:(نفي استبداد الرجوع) ش: أي عدم استقلال الواهب بالرجوع من غير قضاء ولا رضاء إلا الوالد إذا احتاج إلى ذلك، فإنه ينفرد بالأخذ لحاجته بلا قضاء ولا رضى، وهو معنى قوله م:(وإثباته) ش: أي إثبات الرجوع م: (للوالد؛ لأنه يتملكه للحاجة) ش: أي يتملك الرجوع عند حاجته من غير مانع لما ذكرنا م: (وذلك يسمى رجوعا) ش: أراد أن رجوع الوالد عند الحاجة إنما يسمى رجوعا باعتبار الظاهر وإن لم يكن رجوعا في الحكم.
قيل: فيه نظر؛ لأن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أطلق استثناء الوالد ولم يقيد جواز رجوعه فيما وهب لولدها لحاجة فيجب إجراؤه على إطلاقه، وليحصل الفرق بين أخذ من مال ولد ورجوعه فيما وهبه إياه.
وتأويل آخر أن المراد لا يحل الرجوع ديانة ومروءة، وهذا جاء في أكثر الروايات بلفظ لا يحل، فكان بمنزلة قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت شبعان وجاره جنبه طاو» أي لا يليق ذلك ديانة ومروءة. وإن كان جائزا في الحكم إذا لم يكن عليه حق واجب، وهكذا يقول لا يليق الرجوع ديانة ومروءة، فيكون مكروها.
م:(وقوله في الكتاب) ش: أي قول القدوري في كتابه م: (فله الرجوع لبيان الحكم، أما الكراهة) ش: أي في الرجوع م: (فلازمة لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» ش: هذا الحديث أخرجه الجماعة إلا الترمذي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال:«العائد في هبته كالعائد في قيئه» زاد أبو داود قال قتادة: ولا تعلم القيء إلا حراما.