عرضية الانفصال في ثاني الحال ثابتة لا محالة فأنزل منفصلا في الحال، مع أن الجنين لم يخرج من ملك الواهب، فكان في حكم المشاع يحتمل القسمة.
وكان المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما استشعر هذا السؤال أردفه بقوله م:(أو هبة شيء) ش: بنصف الهبة؛ لأن التقدير أو نفي هبة شيء فيكون حالا عن الضمير الذي في بقي م:(هو مشغول بملك المالك) ش: كما إذا وهب الجوالق وفيه طعام الواهب وذلك لا يصح كهبة المشاع.
وفي " نوادر هشام " قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا وهب لابنه الصغير أرضا فيها زرع الأب أو وهب منه دارا والأب فيها ساكن لم تجز الهبة فيهما.
وفي " الهارونيات المجرد " قال أبو حنيفة في رجل تصدق على ابن صغير بدار له وفيها متاع الرجل أو كان الأب فيها ساكنا أو فيها متاع له وليس ساكن فيها أو قوم سكان بغير أجر جازت فكان قابضا لابنه.
ولو كان فيها مكان بأجر كانت الصدقة باطلة.
فإن قيل: قد جعل في " الإيضاح " مسألة هبة الجارية بعد التدبير شبيه الاستثناء، وهبتها بعد الإعتاق غير شبيه الاستثناء على عكس ما ذكره المصنف، فما التوفيق بينهما؟
قلت: مراد صاحب " الإيضاح " بالاستثناء الحقيقي وهو التكلم بالباقي بعد الاستثناء ولكن لم تصح الهبة بذلك الاستثناء لمكان الشيوع وهذا متحقق في مسألة التدبير، لبقاء الملك في المدبر وفي مسألة الإعتاق لم تكن في معنى الاستثناء الذي يورث الشيوع فصح، والمصنف أراد بالاستثناء استثناء الحمل، ومسألة الإعتاق تشابهه في جواز الهبة والتدبير لم يشابهه كما تقدم.
فائدة: صاحب " الإيضاح " هو الإمام ركن الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الكرماني. قال السمعاني: في معجم شيوخه إمام أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بخراسان قدم مرو وتفقه على القاضي محمد بن الحسن الأرده وكان من القضاة ظهرت تصانيفه بخراسان والعراق.
ومن تصانيفه " الجامع الكبير " و " التجريد في القيمة " في مجلد واحد، وشرحه في ثلاث مجلدات وسماه " الإيضاح ". قال السمعاني: سمعت منه وقد كانت ولادته بكرمان في شوال سنة سبع وخمسين وأربعمائة ومات بمرو عشية الجمعة لعشرة بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.