نزلت يوم عرفة:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة: ٣](المائدة: الآية ٣) .
الجواب الرابع: أن المسح يستعمل بمعنى الغسل الخفيف، يقال: مسح على أطرافه، إذا توضأ، قاله أبو زيد، وابن قتيبة، وأبو علي الفارسي، وفيه نظر. وما ذكر عن ابن عباس قال محمد بن جرير: إسناده ضعيف، والصحيح الثابت عنه أنه كان يقرأ:{وَأَرْجُلَكُمْ}[المائدة: ٦] بالنصب، ويقول عطف على المفعول، هكذا رواه الحفاظ عنه منهم القاسم بن سلام، والبيهقي، وغيرهما، «وثبت في صحيح البخاري عنه أنه توضأ وغسل رجليه وقال: هكذا رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
» وأما قَوْله تَعَالَى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ}[سبأ: ١٠](سبأ: الآية ١٠) بالنصب على المحل فممنوع لأنه مفعول معه، ولو سلم العطف على المحل فإنما يجوز مثل ذلك عند عدم اللبس، نقل ذلك عن سيبويه وهاهنا لبس فلا يجوز، وأما البيت فغير مسلم فإنه ذكر في العقد أن سيبويه غلط فيه، وإنما قاله الشاعر بالخفض والقصيدة كلها مجرورة فكان مضطرا إلى أن ينصب هذا البيت ويحتال بحيلة ضعيفة قال:
مغاري أننا بشر فانجح ... فلسنا بالجذيل ولا الجديد
أكلتم أرضنا وجعلوا تمرنا ... فهل من قائم أو من حصيد
أتطمع في الخلود إذا هلكنا ... وليس لنا ولا لك من خلود
وقيل: هما قصيدتان مجرورة ومنصوبة وفيه بعد. فإن قلت: إن القراءتين النصب والجر نقلهما الأئمة تلقيا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح لعطفهما على الرأس ومحتملة للغسل لعطفهما على المغسول. قلت: لا يخلو القول من أحد معان ثلاثة: إما أن يقال: إن المراد هما جميعا مجموعان، فيكون عليه أن يمسح أو يغسل أو يكون أحدهما على وجه التخيير يفعل المتوضئ أيهما شاء ويكون ما يفعله هو المفروض، أو يكون المراد أحدهما بعينه لا على وجه التخيير، فلا سبيل إلى الأول لاتفاق الجميع على خلافه، وكذا لا سبيل إلى الثاني، إذ ليس في الآية ذكر التخيير ولا دلالة عليه، فتعين الوجه الثالث، ثم يحتاج في ذلك إلى طلب الدليل على المراد منهما، فالدليل على أن المراد الغسل دون المسح اتفاق الجميع على أنه إذا غسل فقد أدى فرضه، وأتى بالمراد، وأنه غير ملوم على ترك المسح، فتبين أن المراد الغسل، وأيضا فهو صار في حكم المجمل المقتصر إلى البيان فيما ورد فيه من البيان عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فعل أو قول، علمنا أنه مراد الله تعالى، وقد ورد البيان عنه بالغسل قولا وفعلا: