وإن كانت مغسولة للتنبيه على وجود الاقتصار في الصب لا التمسح، وجيء بالغاية فقيل إلى الكعبين إماطة لظن ظان يحسبها أنها ممسوحة إذ المسح لم تعرف له غاية.
ثم اعلم أن النصب له وجهان: أحدهما أن يكون معطوفا على {وُجُوهَكُمْ}[المائدة: ٦] فيشاركها في حكمها وهو الغسل، وإنما أخر عن المسح بعد المغسولين لوجوب تأخير غسلهما عن مسح الرأس عند قدوم الاستجابة عند آخرين، والوجه الثاني: أن يكون عامله مقدرا، وهو {فَاغْسِلُوا}[المائدة: ٦] لا بالعطف على {وُجُوهَكُمْ}[المائدة: ٦] كما تقول: أكلت الخبز واللبن أي: وشربت، وإن لم يتقدم الشرب بذكر، وهاهنا تقدم للغسل ذكر فكان أولى بالإضمار، ومنه قوله: علفتها تبنا وماء باردا أي سقيتها، وقال: ورأيت زوجك في الوغا مقلدا سيفا ورمحا، أي وحاملا رمحا، وقال: تشوبت البان وتمرا أقط أي وأكل تمرا أقط، ويجاب عن الجر بأجوبة:
الأول: أنها جرت على أنها مجاورة رؤوسكم وإن كانت منصوبة كقوله تعالى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ}[هود: ٢٦](سورة هود: الآية ٢٦) ، على جر أليم، وإن كان صفة للعذاب، وكقولهم: هذا جحر ضب خرب بجر " خرب "، وإن كان مرفوعا. فإن قلت: جحرا ضب خربين وجحرة ضباب خربة لم يجزه الخليل في التثنية وأجازه في الجمع واشترط أن يكون الآخر مثل الأول وأجازه سيبويه في الكل.
الجواب الثاني: أنها عطف على الرؤوس؛ لأنها تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة لإسراف الماء المنفي عنه لا التمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصار في صب الماء عليها، فجيء بالغاية ليعلم أن حكمها مخالف لحكم المعطوف عليه؛ لأنه لا غاية في الممسوح، قاله صاحب " الكشاف ".
والجواب الثالث: أنه محمول على مسألة لبس الخف، والنصب على الغسل عند [......] ، روى همام بن الحارث «أن جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أنت تفعل هذا، قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفعله» وكان يعجبهم حديث جرير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال ابن العربي: اتفق الناس على صحة حديث جرير، وهذا نص يروي ما ذكروه، فإن قيل: روى محمد بن عمر الواقدي أن جريرا أسلم في سنة عشر في شهر رمضان وأن المائدة نزلت في شهر ذي الحجة يوم عرفة قيل: هذا لا يثبت لأن الواقدي ضعيف رمي بالكذب، وإنما