وأخرج البخاري في تاريخه عن شبابة بن سوار حدثني المغيرة بن مسلم عن سعيد بن طهمان القطيعي عن مغيرة بن شعبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قلت: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال:" قد فعلت " ثم قال: " صل بصلاة أضعف القوم ولا تتخذ مؤذنا يأخذ على الأذان أجرا» قوله: عهد معناه أوصى يقال عهدت أي أوصيت. قال الله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ}[يس: ٦٠](يس: الآية ٦٠) و {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: ١٢٤](البقرة: الآية ١٢٤) .
فإن قلت: استدل الشافعي بأنه «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - زوج رجلا بما معه من القرآن» متفق عليه.
وبقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» حديث حسن صحيح.
وبما روي من حديث أبي سعيد الخدري قال:«بعثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة وأتينا على رجل لديغ في جبهته فداووه فلم ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذي نزلوا بكم لعله يكون عندهم شيء ينفع فأتونا فقالوا أيها الرهط، إن سيدنا لديغ، فابتغينا له كل شيء فلم ينفعه، فهل عندكم من شيء؟
فقال بعضهم: نعم ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، لا نأتي حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يتفل عليه ويقرأ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: ٢] فكأنما نشط من عقال، فقام يمشي فآتوهم جعلهم فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتذكروا له الذي كان فننظر ما يأمرنا به فدخلوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكروا له ذلك فقال: (قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم بسهم» قلت: الجواب عن الأول ليس فيه تصريح بأن التعليم صداق، إنما قال:«زوجتكها بما معك من القرآن» فيحتمل أنه زوجها إياه بغير صداق إكراما له وتعظيما للقرآن كما روى أنس «أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زوج أم سليم أبا طلحة على إسلامه» .
وسكت عن المهر، لأنه معلوم أنه لا بد منه؛ لأن الفروج لا تستباح إلا بالأموال لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢٤] ولذكره تعالى في النكاح الطول وهو المال، والقرآن ليس بمال.
ويجوز أن تكون الباء مكان اللام، أي لما معك من القرآن؛ لأن ذلك سبب للاجتماع بينهما، ولعل المرأة وهبت مهرها له باعتبار ذلك.