وقال الكرخي في " مختصره ": ويجوز ذبح الصابئين عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهم أهل الكتاب وهم فرقة من النصارى عنده. وليس يريد الضرب الآخر من الصابئين الذين لا يؤمنون بعيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا يقرون بنبوته، ولهم شرع آخر ليس النصارى عليه، فهؤلاء لا تؤكل ذبائحهم.
وقال القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه ": وإنما أجاب أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على من يؤمن بنبي وكتاب ويعظم الكواكب كتعظيم المسلم القبلة وهما حملا الأمر على من يعظم الكواكب، تعظيم عبادة، فهو عابد وثن، فلا يجوز أكل ذبيحته. ثم قال القدوري: وحال هذه الفرقة مشكلة لأنهم يدينون بكتمان اعتقادهم، فلا يعرف حالهم.
فأما حمل أبي الحسن لقول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - على صابئ يؤمن بعيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو من لا يعرفه منهم، وإنما يؤمنون بإدريس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويعظمونه دون غيره من الأنبياء. وقال أبو بكر الرازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرحه لمختصر الطحاوي ": لا خلاف بينهم في المعنى في هذه المسألة. وذلك أن الصابئين طائفتان: طائفة منهم يحلون دين المسيح - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ويقرون بالإنجيل، وهم في ناحية البطيحة من عمل واسط، فهؤلاء في قولهم جميعا تؤكد ذبائحهم. وفرقة أخرى من الصابئين في ناحية حران وديار ربيعة، لا يتحملون كتابا لنبي ويعبدون الكواكب والأصنام فهؤلاء أهل الأوثان لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم في قول أصحابنا جميعا.
م:(ويحل إذا كان) ش: الذابح م: (يعقل التسمية) ش: وقيل يعقل لفظ التسمية، وقيل: يعلم أن حل الذبيحة بالتسمية. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " شرح المبسوط ": ويعقل التسمية والذبيحة بأن كان يعقل أنه يباح بالتسمية، ولا يباح بغير التسمية، وذلك لأنه متى لم يعقل التسمية لا يصح منه التسمية كما لا يصح منه الإسلام متى لم يعقل الشهادة، ولا البيع ولا النكاح إذا لم يعقل المعاملات.
والتسمية شرط الإباحة وقال في الأصل أرأيت الصبي يذبح ويسمي هل تؤكل ذبيحته. قال: إن كان يضبط ويعقل التسمية والذبيحة فلا بأس به، وإن كان لا يعقل ذلك فلا م:(والذبيحة) ش: أي ويعقل الذبيحة. وفي النسخ الصحيحة والذبحة بكسر الذال وسكون الباء، والمعنى ويعقل كيف الذبح. م:(ويضبط) ش: شرائط الذبح من قطع الأوداج وغيره وضبط الشيء حفظه بالحرم.