التنزه لا غير لما قلنا أن الحرمة لا تنفصل عن زوال الملك.
وفي " المحيط ": رجل دخل على قوم من المسلمين يأكلون ويشربون فدعوه إليهم، فقال مسلم قد عرفه ثقة: هذا اللحم ذبيحة مجوسي وهذا الشراب خالطه خمر، فقال الذي دعاه: ليس الأمر كما قال بل هو حلال، فإنه ينظر في حالهم، فإن كانوا عدولا، لا يلتفت إلى قول المخبر بالحرمة؛ لأن خبر الواحد لا يعارض خبر الجماعة، فإن خبر الواحد حجة في الديانات والأحكام، وخبر الواحد ليس بحجة في الأحكام، ولأن الظاهر من حال المسلمين التحرز عن ذبيحة المجوسي وعن مخالطة خمر، فيكون خبر الواحد في معارضة خبرهم خبرا مستنكرا فلا يقبل، وإن كانوا متهمين فإنه يؤخذ بقول المخبر ولا يسعه التناول؛ لأن خبر الواحد باعتبار حاله مستقيم صالح، ولا معتبر بخبرهم في حكم العمل به لفسقهم.
وإن كان في القوم رجلان ثقتان أخذ بقولهم؛ لأن خبر الواحد لا يعارض خبرهم، فإن كان فيهم واحد ثقة يعمل فيه بأكثر رأيه، فإن لم يكن له رأي واستوت الحالات عنه فلا بأس بأن يأكل ويشرب ويتوضأ.
فإن أخبره بأحد الأمرين مملوكان ثقتان أخذ بقولهما لاستواء الحر والعبد في الخبر الديني.
ولو أخبره بأحد الأمرين عبد ثقة وبالآخر ثقة عمل فيه بأكثر الرأي للمعارضة بين الحر والعبد فيصار إلى الترجيح بأكبر الرأي.
وإن أخبره بأحد الأمرين مملوكان ثقتان وبالأمر الآخر حران ثقتان يأخذ بقول الحرين؛ لأن الحجة تتم بقولهما دون المملوكين فعند التعارض بترجح قول الحرين. وإن أخبره بأحد الأمرين ثلاثة عبيد ثقات وبالأمر الآخر مملوكان ثقتان يأخذ بقول العبيد.
وكذلك إن أخبره بأحد الأمرين رجل وامرأتان وبالآخر رجلان يأخذ بقول رجل وامرأتان.
والحاصل في جنس هذه المسائل: أن خبر المملوك والحر في الأمر الديني على السواء بعد الاستواء في العدالة، فيطلب الترجيح أولى من حيث العدد، وإن استوى العدد أن يطلب الترجيح لكونه حجة في الأحكام في الجملة، فإذا استويا، طلب الترجيح من حيث التحري، فعلى هذا إذا كان المخبر بأحد الأمرين من أربعة من الأحرار، وبالأمر الآخر حرين يؤخذ بقول الأربعة انتهى.
ومن التفاصيل ما ذكره الحاكم الشهيد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الكافي ": إذا حضر المسافر الصلاة ولم يجد ماء إلا في إناء وأخبره رجل أنه قذر وهو عند مسلم مرضي لم يتوضأ به،