قال تاج الشريعة: عنى به قصب الحارس، أراد أن التحريم لا يختص بالمزامير، وإن الضرب بالقصب والتغني مع ذلك حرام أيضا.
قلت: أهل الحجاز ومصر يضربون بالقصب كثيرا، وأما أهل الحجاز فإنهم يأخذون قصبتين طويلتين طول كل واحدة قدر باع في غلظ إبهام فحين يضربون بعضها ببعض ويغنون به ولا يحسن كل واحد منهم أن يفعل ذلك؛ لأنه يحتاج في ذلك إلى معرفة مواقع الضرب بعضهما ببعض مع علمه بالأصول.
وعند أهل الروم نوع من ذلك ولكن بغير هذه الصفة، وهو أنهم يأخذون أربع قطع خشبات بطول قدر شبر في غلظ أصبعين، وهي منحوتة مصقولة، فيأخذ المغني منهم من الرجال والنساء كل قضيب في يد ويحركها ويضرب بعضها ببعض بأصول، ويسمى بالفارسية جهارباره "، والكل حرام بالنص.
ثم قال بعض المشائخ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: دلت المسألة على أن مجرد الغناء والاستماع إليه معصية، لما روى صدر الشهيد في الكراهية في كتاب " الواقعات " عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:«استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذذ بها من الكفر» . وإنما قال ذلك على وجه التشديد.
وقال ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن صوت اللهو والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت النبات بالماء.
وروي في " فردوس الأخبار " عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: " احذروا الغناء، فإنه من قبل إبليس، وهو شرك عند الله، ولا يغني إلا الشيطان " فلهذا قال مشائخنا: استماع القرآن بالألحان معصية، والتالي والسامع آثمان.
وقال بعضهم: إذا كان يغني بشد نظم القوافي، أو يدفع الوحشة عن نفسه فلا بأس به.
وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: والمكروه إذا كان على سبيل اللهو، بحديث عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه كان من صغار الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وكان يغني في مرضه وكان لا يفعل ذلك تلهيا ولكن يدفع الوسواس عن نفسه.