لأن التحلي بالفضة في معنى التحلي بالذهب م:(قال: إلا بالخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة) ش: هذا استثناء من قوله: " ولا يجوز للرجال إلخ) أي إلا التختم بالخاتم، والمنطق بالمنطقة بكسر الميم وهي التي تسمى بالحياصة.
واتخاذ حلية السيف قوله: من الفضة بيان فللثلاثة المذكورة. أما الخاتم من الفضة فلما رواه الأئمة الستة في كتبهم عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتخذ خاتما من فضة له فص حبشي ونقش فيه محمد رسول الله» ورواه الأئمة الثلاثة أيضا إلا ابن ماجه، عن قتادة، عن أنس:«أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد أن يكتب إلى بعض الأعاجم، فقيل: إنهم لا يقرءون كتابا إلا بخاتم، فاتخذ خاتما من فضة ونقش فيه محمد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان في يده حتى قبض، وفي يد أبي بكر حتى قبض، وفي يد عمر حتى قبض، وفي يد عثمان حتى سقط منه في بئر أريس. ثم أمر به فنزحت فلم يقدر عليه» وقد ذكر الآن حديث ابن عمر فيه.
وأما المنطقة من الفضة فلما روى الواقدي في كتاب " المغازي ": حدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله عن عمر بن الحكم - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال:«ما علمنا أحدا من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذين أغاروا على الذهب يوم أحد فأخذوا ما أخذوا من الذهب بقي معه من ذلك شيء رجع حيث غشينا المشركون إلا رجلين أحدهما: عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح جاء بمنطقة وجدها في العسكر فيها خمسون دينارا شدها على حقويه تحت ثيابه. وعباد بن بشر - رَحِمَهُ اللَّهُ - جاء بصرة فيها ثلاثة عشر مثقالا فنفلهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك ولم يخمسه» فإن هذا لا يدل على إباحة المنطقة؛ لأنه لا يجوز أن يكون هذا نظير ما أعطى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من الديباج الذي أهدي له، ونظير ما أعطى عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حريرا، وأمره أن يقطعه خمرا للفواطم الأربع.
والخمر جمع خمار وهي ما تغطي المرأة بها رأسها، والفواطم: جمع فاطمة، وهي أم علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - واسمها فاطمة، وفاطمة الزهراء، وفاطمة بنت حمزة، وفاطمة بنت عتبة بن ربيعة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -.
قلت: هذا احتمال، والأصل أن يكون قد أعطاه للاستعمال ولئن سلمنا بقول الراوي شدها على حقويه يدل على إباحة استعمالها، وذلك لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رآه هكذا، ولم ينكر عليه، إذ لو كان حراما لأنكره عليه، على أن الشيخ أبا الفتح ابن سيد الناس المعمري ذكر في كتاب " عيون