للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

- بأس به، قلت: وكيف وقد قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يا أهل مكة لا تجعلوا على دوركم أبوابا، لينزل البادي حيث شاء، وكان سعيد بن جبير ومجاهد ينزلان ويخرجان ولا يعطيان أجرا، فقال: السنة في هذا أولى بنا، فقلت. قال: أو في هذا سنة؟ قال: نعم. قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وهل ترك لنا عقيل منزلا» لأن عقيلا ورث أبا طالب ولم يرثه علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولا جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأنهما كانا مسلمين، فلو كانت المنازل في مكة لا تملك كيف كان يقول: «وهل ترك لنا عقيل؟» وهي غير مملوكة. قال: فاستحسن ذلك أحمد وقال: لم يقع هذا بقلبي، فقال إسحاق وللشافعي: أليس قد قال الله سبحانه وتعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي} [الحج: ٢٥] ؟ فقال له الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اقرأ أول الآية: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي} [الحج: ٢٥] إذ لو كان كما تزعم لما جاز لأحد أن ينشد فيها ضالة، ولا ينحر فيها بدنة، ولا يدفع فيها الأرواث، ولكن هذا في المسجد خاصة، قال: فسكت إسحاق.

وروى الواقدي في كتاب " المغازي ": حدثني معاوية بن عبد الله عن أبيه، عن أبي رافع - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: «قيل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين دخل مكة يوم الفتح: ألا تنزل منزلك من الشعب؟ قال: فهل ترك لنا عقيل منزلا؟ ". وكان عقيل قد باع منزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة، فقيل له: فانزل في بعض بيوت مكة فأبى، وقال: "لا أدخل البيوت" فلم يزل مضطربا بالحجون لم يدخل بيتا، وكان يأتي المسجد من الحجون» .

قال السهيلي في " الروض الأنف ": وقد اشترى عمر بن الخطاب الدور من الناس الذي ضيقوا الكعبة وألصقوا دورهم بها، ثم هدمها وبنى المسجد الحرام حول الكعبة، ثم كان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اشترى دورا بأغلى ثمن وزاد في سعة المسجد، وهذا دليل على أن رباع مكة مملوكة لأهلها بيعا وشراء.

وقال أبو الفتح اليعمري في "سيرته عيون الأثر ": وهذا الخلاف هنا يبتني على خلاف آخر، وهو أن مكة هل فتحت عنوة أو أخذت بالأمان؟ فذهب الشافعي إلى أنها مؤمنة، يعني فتحت بالأمان، وهو كالصلح يملكها أهلها فيجوز لهم كراءها وبيعها وشراءها، لأن المؤمن يحرم دمه وماله وعياله.

وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عهد إلى المسلمين أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم وقال: «من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» إلا الذين استثناهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان هذا أمان منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>