وأكثر أهل العلم إلى أنها فتحت عنوة، لأنها أخذت بالخيل والركاب.
وجاء في حديث عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - من طريق إبراهيم بن مهاجر: في «مكة: أنها مناخ من سبق» ، ولا خلاف في أنه لم يجر فيها قسم ولا غنيمة ولا شيء من أهلها أخذ لما عظم الله من حرمتها.
قال أبو عمر: والأصح، والله سبحانه وتعالى أعلم: أنها بلدة مؤمنة آمن أهلها على أنفسهم وكانت أموالهم تبعا لهم، انتهى.
وكذلك قال ابن الجوزي في " التحقيق ": بيع رباع مكة مبني على أنها إن فتحت عنوة فيكون وقفا على المسلمين فلا يجوز بيعها، وإن فتحت صلحا فهي باقية على أهلها فيجوز، انتهى.
قلت: حديث: «مكة مناخ من سبق» ، رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثنا عبد الرحمن عن إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قلت: يا رسول الله: ألا نبني لك بيتا - يعني بمكة -؟ قال:" لا، إنما هي مباح لمن سبق» .
وقال الحاكم في "مستدركه " عقيب حديث عبد الله بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «من أكل كراء بيوت مكة فإنما يأكل نارا» : وقد صحت الروايات أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل مكة صلحا.
فمنها: ما حدث وأسند -يعني الحاكم - عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين سار إلى مكة ليفتحها قال لأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اهتف بالأنصار، فقال: يا معشر الأنصار أجيبوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فجاءوا، فكأنما كانوا على ميعاد.
ثم قال: اسلكوا هذا الطريق، فساروا، ففتحها الله عليهم، وطاف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالبيت، فصلى ركعتين، ثم خرج من الباب الذي يلي الصفا، فصعد الصفا، فخطب الناس، والأنصار أسفل منه، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فقد أخذته رأفة بقومه ورغبة في قرابته، قال: "فمن أنا إذا؟ كلا والله، إني عبد الله ورسوله حقا، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم".