لأن النص الموجب للتطهير لم يفصل، ولنا أن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفوا، وقدرناه بقدر الدرهم أخذا عن موضع الاستنجاء
ــ
[البناية]
م:(لأن النص الموجب للتطهير) ش: النص هو قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}[المدثر: ٤](المدثر: الآية ٤) ، وغيره من الأحاديث م:(لم يفصل) ش: بين القليل والكثير، إلا أن الشافعي ومن معه لم يعتبروا إلا ما تراه العين لعدم إمكان الاحتراز عنه.
م:(ولنا أن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفواً) ش: إجماعاً لأن ما عمت بليته سقطت قضيته. وأما الحدث فإنه لا يتجزأ ولا حرج في تكليف إزالته م:(وقدرناه) ش: أي القليل الذي هو خلاف الكثير م: (بقدر الدرهم) ش: المثقالي إن كان النجس ذا جرم وقدر عرض الكف إن كان مائعاً على ما يأتي م: (أخذا عن موضع الاستنجاء) ش: أخذاً منصوب، لأنه مفعول مطلق، قال الأكمل: مفعول مطلق من قدرناه، لأن فيه معنى الأخذ، قلت: الأحسن أن يقول: تقديره وقدرناه حال كوننا آخذين أخذاً في موضع الاستنجاء، والمراد من مواضع الاستنجاء موضع خروج الحدث، روي عن إبراهيم النخعي أرادوا أن يقولوا مقدار المقعد، واستقبحوا ذلك فقالوا مقدار الدرهم.
فإن قلت: النص، وهو قَوْله تَعَالَى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}[المدثر: ٤](المدثر: الآية ٤) ، لم يفصل بين القليل والكثير فلا يعفى عن القليل، قلت: القليل غير مراد منه بالإجماع، بدليل عفو موضع الاستنجاء فيتعين الكثير. وأجاب بعضهم بما روي عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال في الدم إذا كان أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة، فشرط إعادتها في الزيادة على قدر الدرهم.
قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني في "سننه " عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم» . وفي لفظ:«إذا كان في الثوب قدر الدرهم غسل الثوب وأعيدت الصلاة» .
وقال البخاري: هذا حديث باطل، وروح هذا منكر الحديث. وقال ابن حبان: هذا حديث موضوع لا شك فيه، لم يقله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولكن اخترعه عنه أهل الكوفة وكان روح ابن غطيف يروي الموضوعات عن الثقات.
ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي، وأغلط في نوح بن أبي مريم.
وروى البيهقي عن ابن عمر: أنه رأى دماً في ثوبه وعليه ثياب فرمى بالثوب الذي فيه الدم وأقبل على صلاته، وروي عن القاسم بن محمد أنه رأى دماً في ثوبه وهو في الصلاة فخلعه ولم يستقبل، فدل على أن منع الدم دون القليل منه.