فإن كان شرطا فهو حرام؛ لأنه استئجار على الطاعة، إذ القضاء طاعة، بل هو أفضلها. ثم القاضي إذا كان فقيرا، فالأفضل، بل الواجب الأخذ؛ لأنه لا يمكنه إقامة فرض القضاء إلا به، إذ الاشتغال بالكسب يقعده عن إقامته. وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع على ما قيل رفقا ببيت المال. وقيل: الأخذ، وهو الأصح صيانة للقضاء عن الهوان. ونظرا لمن يولي بعده من المحتاجين؛ لأنه إذا انقطع زمانا يتعذر إعادته ثم تسميته رزقا تدل على أنه بقدر الكفاية،
ــ
[البناية]
م:(فإن كان شرطا) ش: ومعاقدة في ابتداء الأمر بأن قال: لا أقبل القضاء إلا إذا رزقني الوالي في كل سنة كذا وكذا بمقابلة قضائي، م:(فهو حرام؛ لأنه استئجار على الطاعة إذ القضاء طاعة، بل هو أفضلها) ش: والقضاء طاعة بل أفضلها، أي أفضل الطاعات لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «القضاء أشرف العبادات» ، فإذا بطل الاستئجار على سائر الطاعات فعلى هذا أولى.
ألا ترى أن حكم القاضي بالرشوة لا ينفذ، وإن كان القاضي لا ينعزل عنها بالجور والفسق والارتشاء، ولكن يستحق العزل فيعزله، خلافا للمعتزلة فإن عندهم يعزل بالفسق، وهو رواية للأصحاب.
م:(ثم القاضي إذا كان فقيرا، فالأفضل بل الواجب الأخذ) ش: أي أخذ رزقه وكفايته م: (لأنه لا يمكنه إقامة فرض القضاء إلا به، إذ الاشتغال بالكسب يقعده عن إقامته) ش: أي يؤخره عن إقامة فرض القضاء ولاشتغاله بالكسب كما ذكرنا في قصة أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن قريب. م:(وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع) ش: عن أخذ الرزق في بيت المال م: (على ما قيل رفقا ببيت المال) ش: أي لأجل الرفق ببيت مال المسلمين.
م:(وقيل: الأخذ، وهو الأصح
صيانة
للقضاء عن الهوان) ش: أي
لأجل
صيانة القضاء عن الهوان، أي لأجل صيانة القضاء عن الذلة، لأنه إذا لم يأخذ لا يلتفت إلى أمور القضاء كما ينبغي لاعتماده على غنائه، فإذا أخذ يلزمه حينئذ إقامة أمور القضاء.
م:(ونظرا لمن يولى بعده من المحتاجين) ش: أي ولأجل النظر في حق من يأتي بعده من القضاة الفقراء م: (لأنه إذا انقطع) ش: أي لأن رزق القاضي وهو معلومة إذا انقطع من بيت المال بترك القاضي الغني وامتناعه عنه م: (زمانا يتعذر إعادته) ش: لأن متولي أمور بيت المال يحتج عليه بعدم جري العادة فيه منذ زمان فيتضرر القاضي الفقير.
م:(ثم تسميته رزقا) ش: أي ثم تسميته، قال محمد في " الجامع الصغير ": معلوم القاضي رزقا م: (تدل على أنه بقدر الكفاية) ش: له ولعياله ولا يعطى أكثر من الكفاية لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: ٦] الآية، وإن كان نزولها في وصي اليتيم لكون الوصي عليها ليتيم حابسا نفسه، لذلك الحكم لكل من يعمل لغيره بطريق الحسبة.