عن قتادة، عن أنس:"أن أبا عبيدة، ومعاذ بن جبل، وأبا طلحة، كانوا يشربون من الطلاء ماء ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه ".
حدثنا أبو فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، قال: كان علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يرزقنا الطلاء، فقلنا له: ما هيئته؟ قال: أسود، ويأخذه أحدنا بأصبعه.
حدثنا وكيع عن سعيد بن أوس، عن أنس بن سيرين، قال: كان أنس بن مالك عقيم البطن فأمرني أن أطبخ له طلاء حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، فكان يشرب منه الشربة على أثر الطعام.
حدثنا ابن نمير، حدثنا إسماعيل عن مغيرة، عن شريح عن خالد بن الوليد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كان يشرب الطلاء بالشام، فهذا كله يقتضي جواز شرب المطبوخ، وقد قال صاحب " الاستذكار ": لا أعلم خلافا بين الفقهاء في جواز شرب العصير إذا طبخ فذهب ثلثاه وبقي ثلثه، فعلمنا بدلالة هذه الآثار أن المراد من الحديث الذي رووه القدر المسكر لا للقليل منه توفيقا بين الآثار حتى لا يقع التضاد فيها، فهذا كما رأيت أن الأكابر من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأهل بدر كعمر، وعلي، وغيرهما ممن ذكر فيما ذكرنا كانوا يحللون شرب النبيذ، وكذا من بعدهم جماعة من التابعين الكبار كالشعبي وأمثاله. وكذا إبراهيم النخعي وأمثاله، وكذا علقمة، والأسود، وابن أبي ليلى، وعبيد الله بن عبد الله بن مسعود، وسفيان الثوري مع ورعه وتقواه كان يشرب من النبيذ الصلب حتى تحمر وجنتاه.
وعن وكيع: أنه كان يشرب في ليالي رمضان تقويا على العبادة. وقال في " شرح الأقطع ": وقد سلك بعض الجهال في هذه المسألة طريقة قصد بها التشنيع، والفروق عند العوام لما ضاقت عليه الحجة، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه قال لبشر: ناس من أمتي يسمونها بأسماء طريق، قال هذا القائل: وهم أصحاب أبي حنيفة، وهذا كلام جاهل الأحكام، والنقل، والآثار، أو متعصب قليل الورع لا يبالي بما قال.
ثم يقال لهذا القائل: ما رميت بهذا القول أصحاب أبي حنيفة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وإنما رميت السلف الصالح، أردت بذلك، ولم يمكنك التصريح بذلك؛ لأن أصحاب أبي حنيفة لم يبدعوا في ذلك قولا، بل قالوا ما قال أئمة أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووجوه التابعين وزهادهم. وكيف يظن بابن عمر، وعلي وابن مسعود، وابن عباس، وعمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وعلقمة، والأسود، وإبراهيم، أنهم شربوا خمرا غليظا في اسمها حتى استدرك عليهم هذا القائل حقيقة الاسم، والظن بنفسه، ونسي الظن بسلفه أن هذا لجرأة في الدين.