للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الحقبة، بل زادت أحيانًا من مشكلاتنا هذه؛ فقد جاءت بأسماء متشابهة وبأخبار اضطرت الباحثين إلى تغيير وجهات نظرهم في كثير مما كتبوه تغييرًا مستمرًّا, وإلى إعادة النظر في القوائم التي وضعوها لحكام هذا العهد، كما باعدت بين وجهات نظر بعضهم عن بعض؛ فصارت لدينا جملة آراء تمثل وجهات نظر متباينة.

وتأريخ هذا العهد هو تأريخ مضطرب قلق، نرى "الشرح يحضب" يلقب نفسه فيه بـ"ملك سبأ وذي ريدان"، ثم نرى خصمًا له يلقب نفسه باللقب نفسه، مما يدل على وجود خصومة ونزاع واختلاف على العرش، لا اتفاق وائتلاف. ثم نجد كتابات أخرى تدين بالولاء لـ"الشرح يحضب" ولخصمه معًا, وفي وقت واحد، وفي كتابة واحدة، وهو مما يشير ويدل على وجود اتفاق وائتلاف. وهذه الكتابات تزيد من متاعب المؤرخ وتجعل من الصعب عليه التوصل إلى نتائج تأريخية مرضية مقنعة.

وترينا كتابات هذا العهد أن الوضع كان قلقًا مضطربًا, وأن حروبًا متوالية كانت تقع في تلك الأيام، لا تنتهي حرب إلا وتليها حرب أخرى, وأن المنتصر في الحرب كان كالخاسر, فهو ينتصر في حرب ثم يخسر في حرب أخرى؛ وذلك لأن كفاءات مؤججي تلك الحروب كانت في مستوى واحد. ولهذا كان الخاسر فيها لا يلبث أن يعود بسرعة فيقف على رجليه, يحمل سيفه ليحارب من جديد, حتى كادت الحروب تصير هواية، أو لعبة مألوفة، أما الخاسر الوحيد فهو: الشعب, أي: الناس المساكين التابعون لحكامهم، الذين يكونون السواد، لكنه سواد لا رأي له في حكم ما ولا كلمة, يساق من حرب إلى حرب، فيسمع ويطيع؛ لعدم وجود قوة له تمكنه من الامتناع.

والمتشاجرون البارزون في تلك المعارك والحروب، هم سادات "همدان"، وسادات حمير، أصحاب "ريدان"، وسادات حضرموت وقتبان، وأقيال وأذواء وأصحاب أطماع وطموح، أرادوا اقتناص الفرص لتوسيع نفوذهم، واصطياد الحكم وانتزاعه من الجالسين على عرشه. ووضعٌ مثل هذا، أضعف العربية الجنوبية بالطبع، وأطمع الحبش فيها، حتى صيرهم طرفًا آخر في النزاع، وفريقًا عركًا قويًّا من فرق اللعب بالسيوف في ميدان العربية الجنوبية،

<<  <  ج: ص:  >  >>