يلعب مع هذا الفريق ثم يلعب مع فريق آخر، ضد الفرق الأخرى, وغايته من لعبه التغلب على كل الفرق وتصفيتها؛ ليلعب وحده في ميادين تلك البلاد. لذلك نجد أخبار تدخل الحبشة في شئون هذا العهد وفي العهد الذي جاء بعده، بارزة واضحة مكتوبة في كتابات أهل العربية الجنوبية, ومكتوبة في بعض كتابات الحبش.
وقد رأينا في الفصل السابق كيف تخاصم بيتان من بيوت همدان هما بيتا:"علهان نهفان" و"فرعم ينهب" بعضهما مع بعض على الاستئثار بالحكم، والسيادة على مملكة سبأ, وكيف أن كل بيت من البيتين كان يدعي أن له الحكم والملك، وأنه ملك سبأ، أو "ملك سبأ وذو ريدان"، وأنه هو الملك الحق.
ثم رأينا أن "شعر أوتر""شعرم أوتر"، صار يلقب نفسه بلقب "ملك سبأ وذو ريدان"، وأن خصمه "الشرح يحضب" لقب نفسه بهذا اللقب أيضا، ومعنى ذلك حكم سبأ لأرض "ريدان" وهي أرض حمير على أغلب الآراء. وقد رأينا أن تلك الخصومة، لم تبقَ مجرد خصومة ونزاع وادعاء على ملك، بل كانت خصومة عنيفة اقترنت بمعارك وحروب.
وليس في الكتابات التي بين أيدينا حتى الآن أي خبر يشرح لنا كيف انضمت حمير إلى سبأ، أو كيف لقب "الشرح يحضب" أو معاصره "شعر أوتر" أنفسهما بلقب "ملك سبأ وذي ريدان" وماذا كان موقف ملوك حمير من هذا الاندماج. ولما كان كلا الرجلين "الشرح يحضب" و"شعر أوتر" من همدان، فهل يعني هذا أن الهمدانيين كانوا قد تمكنوا من حمير وغلبوا ملوك حمير على أمرهم، واضطروهم إلى الخضوع لحكمهم، فاعترفوا بسيادتهم عليهم، وتعبيرًا عن ذلك الاعتراف وضعوا:"ذا ريدان" بعد اللقب الملكي القديم؟ إن الإجابة عن هذا السؤال, لا يمكن أن تكون إجابة مقبولة إلا بعد أمد، فلعل الأيام تجود على الباحثين بكتابات حميرية تشرح موقف حمير الرسمي من هذا اللقب، كأن تعطيهم اللقب الذي كان يلقب الحميريون به ملوكهم، أو تشرح علاقة أولئك الملوك بـ"ملوك سبأ وذي ريدان"، وماذا كان موقف ملوك "ريدان" من ملوك "سلحن""سلحين" حصن "مأرب" ومقر الملوك.
ولكننا سنجد فيما بعد أن الحميريين لم يكفوا عن قتال "الشرح يحضب"،