ولا عن قتال "شعرم أوتر""شعر أوتر" حتى بعد تلقبهما بلقب "ملك سبأ وذي ريدان"، كما سنرى أن قسمًا من قبائل حمير كان في جانب "شعر أوتر" وأن قسمًا آخر كان في جانب "الشرح يحضب" وأن قسمًا ثالثًا كان خصمًا عنيدًا للجانبين، وكان في جانب خصوم ملوك "سبأ وذي ريدان". ومعنى هذا أن اللقب الجديد, لم يغنِ أصحابه من قتال حمير, وأن الحميريين ظلوا يقاومون العهد الجديد غير مبالين بدعاوى ملوك همدان، وقد دام القتال كما سنرى عهدًا طويلًا أضر بالجانبين من غير شك.
وقد أصاب هذا النزاع العربية الجنوبية بأسوأ النتائج، فهدمت مدن، وخربت قرى، وتحولت مزارع كانت خضراء يانعة إلى صحارى مجدبة عبوسة.
وتأثر اقتصاد البلاد باستمرار الحروب، وبهروب الناس من مواطنهم ومن مراكز عملهم إلى مواطن بعيدة؛ فتوقفت الأعمال، وسادت الفتن والفوضى. وقد كان المأمول تحسن الأوضاع بعد توسع ملك مملكة سبأ واندماج الإمارات وحكومات المدن فيها وانتقال السلطة إلى ملك واحد ذي ملك واسع، إلا أن هذا التنافس الشديد الذي أثاره المتنافسون على عرش المملكة، أفسد كل فائدة كانت ترجى من هذا التطور السياسي الخطير الذي طرأ على نظام الحكم في العربية السعيدة.
وقد برهنت حملة الرومان على العربية السعيدة وقد وقعت في هذا العهد، وكذلك حملات الحبش وقد وقعت في هذا العهد أيضا، على أن حكومة "سبأ وذو ريدان" لم تكن حكومة قوية متماسكة، ولم تكن لديها قوات حربية قوية ولا جيوش منظمة مدربة، حتى لقد زعم من أرخ تلك الحملة من الكَتَبَة اليونان، أن الرومان لم يقاتلوا العرب، ولم يصطدموا بقواتهم اصطدامًا فعليًّا على نحو اصطدام الجيوش، وأن المحاربين العرب لم يكونوا يملكون أسلحة حربية من الأسلحة المعروفة التي تستعملها الجيوش، وأن كل ما كان عندهم هو الفئوس والحجارة والعصي والسيوف؛ ولذلك لم يتجاسروا على الالتحام بالرومان, وقد لاقى الرومان من الحر والعطش والجوع ما جعلهم يقررون التراجع والعودة إلى بلادهم؛ فهلك أكثرهم من العوامل المذكورة. ويؤيد هذا الرأي أيضا توغل الحبش في العربية الجنوبية وتدخلهم في أمورها الداخلية، مع أنها دون الرومان في القوة وفي التنظيم الحربي بكثير. وتوغلهم هذا يدل على أن العربية الجنوبية