للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو يشهد برسالة الرسول، ويؤمن بها قبل مبعثه بنحو من سبعمائة سنة، ويرجو لو مد في عمره، فوصل إلى أيام الرسول، إذن لجاهد وحارب معه، وفرج عنه كل هم؛ لأنه كان يعلم بما سيلاقيه الرسول من قومه من أذى وعذاب, ولصار له وزيرًا وابن عم١.

ويذكر بعض الأخباريين، أن تبعًا قال للأوس والخزرج: كونوا هنا حتى يخرج هذا النبي -صلى الله عليه وسلم-, أما أنا لو أدركته لخدمته وخرجت معه٢.

إلى غير ذلك من قصص يحاول أن يجعل للتبابعة علمًا سابقًا قديمًا برسالة الرسول باسمه وبمكان ظهوره, وبتهيؤ القحطانيين ومنهم أهل المدينة لتأييده وللذب عنه، ولنشر دينه على رغم قريش أهل مكة، وهم لب العدنانيين.

ونجد في كتب أهل الأخبار بعض التبابعة وقد صيروا مسلمين حنفاء يدعون إلى الدين الحق وينهون قومهم عن عبادة الأصنام. وتجد فيها أحاديث قيل: إن رسول الله قالها في حق التبابعة مثل قوله: "لا تسبوا تبعًا؛ فإنه كان قد أسلم"، أو "لا تسبوا تبعًا؛ فإنه كان رجلًا صالحًا" و"لا تسبوا تبعًا؛ فإنه أول من كسا الكعبة", أو "ما أدري أكان تبع نبيًّا أم غير نبي"٣. وتجد فيها أكثر من ذلك فقد بلغ الحال ببعض أهل الأخبار أن صيروا بعض التبابعة أنبياء وفاتحين، بلغت فتوحاتهم الصين في المشرق و"روما" في المغرب. وهذا القصص كله هو بالطبع من حاصل ذلك النزاع السياسي الذي كان بين القحطانيين والكتلة المعادية لها، كتلة العدنانيين.

وما هذا الإلحاح الذي يؤكد إيمان التبابعة بإله واحد وتسليمهم برسالة الرسول وتدينهم بدينه، وفي عدم جواز سب التبابعة أو لعنهم أقول: ما هذا الإلحاح إلا دليل ظاهر محسوس على أن من الناس من كان يلعن التبابعة ويسبهم ويشتمهم، ولم يكن هذا الشتم أو اللعن موجهًا إلى التبابعة بالذات بالطبع، بل كان موجهًا لليمن وللقحطانيين عامة، وللرد عليهم وضعت تلك الأحاديث وأمثالها على لسان


١ أخبار مكة "ص٨٤"، تفسير ابن كثير "٤/ ١٤٢"، البداية والنهاية "٢/ ١٦٣" وما بعدها".
٢ تفسير الطبري "٢٥/ ١١٥ وما بعدها".
٣ اللسان "٨/ ٣١" "صادر"، تفسير الخطيب الشربيني "٣/ ٥٥٣"، تفسير الطبري "٢٦/ ١٥٤ وما بعدها"، لباب التأويل في معاني التنزيل والمعروف بتفسير الخازن "٤/ ١١٥، ١٧٥" "مطبعة الاستقامة، القاهرة، ١٩٥٥م".

<<  <  ج: ص:  >  >>