وتقابل هذه "المسالح" ما يقال له "المناظر" في عربيتنا, بالنسبة إلى حماية بلاد الشأم. فقد كان اليونان والرومان ثم البيزنطيون قد أقاموا خطوطًا Limes من التحصينات أسكنوا بها حاميات ألقوا عليها مهمة الدفاع عن الحدود, وهي تتكون من قلاع Castella ومن حصون "أبراج" Burgi ومن Centenaria و Turres. وخطوط التحصينات هذه، هي "المناظر" عند العرب و"المسالح" بالنسبة لخطوط دفاع الفرس, وواجبها حماية ما يليها من تحصينات أخرى وحاميات أقيمت على "الخنادق" في الإمبراطورية الساسانية، أو ما يقال له Fossatum عند الروم, فهي الخطوط الأولى من خطوط الدفاع. أما الذين يقومون بحراستها وبالدفاع عنها، فإنهم لا يتقاضون أجرًا، أي: رواتب على عملهم؛ لأنهم Limitanei كما يقال لهم في اليونانية, ومعاشهم مما يزرعونه بأنفسهم، أو يدفع لهم من غلات الفلاحين الذين يعفون من دفع ما عليهم من استحقاق للدولة, أي ما نسميه بضرائب Capitatio. وينتخب هؤلاء من السكان المحليين؛ ليكون من السهل عليهم السكن في هذه المواضع البعيدة, وعليهم مشرفون من الفرس أو الروم لتوجيههم ولقيادتهم في أثناء وقوع غزو أو تحرش قبائل بهذه الخطوط١.
وشجع الساسانيون مذهب "نسطور" مع أنهم كانوا مجوسًا، ولم يكونوا نصارى. شجعوه؛ لأنه مذهب يعارض مذهب الروم، فانتشر في العراق وفي إيران وفي سائر الأرضين الخاضعة للحكم الساساني, ودخل في هذا المذهب أكثر النصارى العرب في العراق. ومن يدري, فلعلهم أسهموا من طرف خفي في توسيع الشقة بين هذا المذهب ومذهب الروم, ولإلقاء العداوة بين هؤلاء النصارى والروم.
كانت بادية الشأم ميدانًا للقبائل، تتصارع فيه كيف تشاء, تبرز فيه قبيلة ثم ينطفئ اسمها، لتظهر قبيلة أخرى. ولم يكن ذلك ليهم الدول الكبرى، ما دام ذلك الصراع في مواضع بعيدة عن حدودها، فإذا بلغ الحد، اضطرت تلك الدول إلى الوقوف بحزم وصرامة أمامه، إذا كانت تملك الحزم والقوة.
١ DIE ARABER, II, S. ٣٥٠, ALTHEIM – STIEHL, FINANYGESCHICHTE DER SPATANTIKE, ٣١. FF., ١١٧,. F., ١٦٢, F