للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالرمال، ثم أتى اليمامة فقتل بها كثيرًا أيضًا، وسار على خطة طمّ المياه وردم الآبار؛ ليحرم الناس الانتفاع بها, ثم سار حتى بلغ قرب "المدينة"، فقتل من وجد هناك من العرب، وأسر. ثم عطف نحو بلاد بكر وتغلب فيما بين مملكة فارس و"مناظر الروم" بأرض الشأم، ففعل بها ما فعله في الأرضين الأخرى، وأسكن من كان من بني تغلب من البحرين "دارين" واسمها "هيج" و"الخط"، ومن كان من عبد القيس وطوائف من بني تميم "هجر"، ومن كان من بكر بن وائل "كرمان" وهم الذين يدعون "بكر بن أبان"، ومن كان من بني حنظلة بـ"الرميلة" من بلاد الأهواز١.

فحملة "سابور" على البحرين وساحل الخليج، إنما هي جزء من الحملة العسكرية التي وضعها ذلك الملك للقضاء على نفوذ القبائل العربية التي كانت قد سكنت السواحل الجنوبية من إيران, وأقامت بها قبل أيامه بزمن. والظاهر أنها انتهزت فرصة ضعف الدولة الساسانية، وتناحر الرؤساء ورجال الجيش على السلطة فأخذت تزحف نحو الشمال وتقوي سلطانها في الأرضين الجنوبية من المملكة, فلما انتقل الحكم إلى "سابور" وكان من سياسته إعادة السلطة المركزية للدولة والقضاء على الإقطاعيين وعلى منازعي الحكومة، حمل على عرب إيران حملة شديدة عنيفة حتى أخضعهم، ثم نزل نحو الجنوب فعبرت جيوشه إلى جزر البحرين والسواحل العربية المقابلة؛ فأوقع بالعرب وآذاهم على نحو ما نجد وصفه في كتب أهل الأخبار.

وقد كان نزوح العرب إلى إيران عن طريق البحر، حيث زحف أهل ساحل الخليج من الخط والبحرين وكاظمة وعمان، إلى السواحل المقابلة: السواحل الجنوبية من أرض الفرس. كما نزحوا إليها من مملكة "ميسان" Mesene، فتوغلوا شرقا إلى "عيلام" Elam، أي: "خوزستان" ثم الأقسام الجنوبية من فارس. ويفهم مما كتبه "كورتيوس روفوس" Curtius Rufus، الذي عاش في العشرات الأولى من القرن الثالث للميلاد، أن العرب كانوا إذ ذاك في "كرمان" وفي "فارس"٢. ولا بد وأن يكون وجودهم في هذه الأماكن قبل هذا العهد


١ الطبري "٢/ ٦٧"، "٢/ ٥٧"، "دار المعارف".
٢ Curtius Rufus, I, ٣٦-٣٩, Die Araber, II, S. ٣٤٥, ٣٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>