للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السكان، فتهود أناس منهم، ورحل قسم من هؤلاء المتهودين إلى القدس، وأقاموا فيها قبل خراب الهيكل بأمد١.

تمكنت هذه المدينة الصحراوية من رفع منزلتها من منزل منعزل في البادية تنزل به القوافل إلى مكانة مدينة من الدرجة الأولى، ومركز ديني خطير لعبادة الأصنام يحج إليه أعراب البادية، وسوق للتجارة تكدست فيه أنفس البضائع وأثمنها وتجمعت فيه رؤوس الأموال والذهب والفضة والجواهر ولا سيما بعد سقوط "بطرا" بأيدي الرومان، وذهاب ملكهم، فانتقلت أسواقهم إلى أيدي التدمريين. وتولت قوافل "تدمر" نقل البضائع بين العراق والشأم مختقرة البادية إلى المرافئ العراقية على الفرات. وقد عادت هذه القوافل على المدينة بخير عميم من أجور الوساطة في البيع والشراء ومن الضرائب التي تجبيها عن البضائع التي تمر بها أو تباع فيها، والتي يحددها مجلس سادات المدينة. وتتبين مظاهر هذه الثروة في المباني الجميلة المنقوشة والتي تتحدث آثارها عنها، وفي بقايا الهياكل والأعمدة المرتفعة الجميلة المصنوعة من الحجر الصلد المصفوفة على جانب الشارع الكبير من قوس النصر المقام عند المعبد الكبير إلى نهايته في مسافة لا تقل عن "١٢٤٠" ياردة٢.

ولما كانت "تدمر" مدينة حياتها الأساسية بالتجارة، صار للتجار وأرباب القوافل ولزعماء القوافل شأن خطير في الحياة الاجتماعية للمدينة، حتى أشير إليهم في الكتابات، حيث كثر فيها ورود ذكر "زعيم القافلة" و"زعيم السوق"٣.

ومدينة مهمة لها مال وثروة وليس لها جيش ضخم قوي ولا مجال لتكوين هذا الجيش فيها، لا يمكن أن تبقى في مأمن ومنجاة من مطامع الطامعين. ولو كانت في بقعة منعزلة وفي بادية بعيدة. فقد كان لعاب الدول القوية يسيل عند سماعها بوجود شعوب صغيرة أو حكومات مدن أو مواضع ذات ثراء ومال، فتكتب إليها إما بإعطاء ما عندها إليها، وإما بدفع جزية ترضيها، راضية مرضية، وإما أن تمتنع فتزحف جيوشها عليها عندئذ فيكون كل ما يصل إليه يدها حلالًا طيبًا، ويكون الناس لها عبيدًا وخولًا، لا نستثني "تدمر" من هذا الولع


١ The Universal Jewish Encyclopedia, ٨, P.,٣٨١.
٢ Ency. Brita., ١٧, P.,١٦٢, Syria , Xxiv, ١٩٣٣, P., ٣٩٦, “Premieres Restaurations A L’arc Monumental De Palmyre”, By Robert Amy:
٣ Cooke: North-Semitic, Pp., ٢٧٤, ٢٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>